به ـ وهو العقوبة ـ سبب لها ، إذ لا مانع من أن يحصل التخويف ويكون سببا لإرادة الأفاعيل الجميلة ، ولا يقع الوفاء به أي العقوبة ، إذ ليس في ذلك خلف لوعد حتّى يكون قبيحا ، بل هو إسقاط وعيد وعفو ، بل إحسان فيحسن.
لأنّا نقول : إنّ التخويف الذي لا وفاء به أصلا لا يكون سببا لإرادة فعل الخير ، وإنّما يكون سببا لها إذا كان مع الوفاء به ولو في الجملة. ولا أقلّ من أن يكون الوفاء مؤكّدا للتخويف ، وهو أيضا مطلوب الشارع الحكيم.
وبالجملة ، فالوفاء به حسن ، وهو من حقّه تعالى بالنسبة إلى من ارتكب الأفعال القبيحة بإرادته واختياره ، وإن كان يمكن إسقاطه بالنّسبة إلى بعضهم بالتّوبة أو الشّفاعة أو نحو ذلك ممّا لا يعلمه غيره تعالى.
وحيث عرفت ما بيّناه ، عرفت أنّ محصّل الجواب عن الشّبهة على ذلك التّقرير ، أنّ قول الشّابه : فلم يعاقب الإنسان على شيء صدر عنه على سبيل الوجوب؟
إن كان محطّ السّؤال أنّ ما صدر عن العبد على سبيل الوجوب كيف يقع العقاب عليه؟ كان الجواب عنه أنّ صدوره عنه ليس بالوجوب ، بل بالاختيار كما عرفت.
وإن كان محطّ السّؤال أنّ الغرض من ذلك العقاب ما ذا؟ كان الجواب عنه أنّ فعل الله تعالى لا يعلّل بالأغراض عند الحكماء ، إذ هو تعالى عندهم ـ كما هو الحقّ أيضا ـ فيّاض مطلق وجواد على الإطلاق وهو تامّ الفاعلية ، غير مستكمل بشيء أصلا ولا يكون لفعله تعالى علّة غائيّة ولا غرض يكون ذلك داعيا له إلى فاعليّته ، ويكون هو تعالى بدونه غير فاعل له ناقصا في فعله ، وإن كان يتبع فعله تعالى حكم ومصالح متقنة محكمة ليست هي باعثة له على الفاعلية.
وإن كان محطّ السؤال أنّ الحكمة والمصلحة في العقاب ما ذا؟ كان الجواب عنه أنّ الحكمة في ذلك كونه من أسباب إرادة العبد للأفاعيل الجميلة كما عرفت.
وأمّا الجواب عن الشبهة ، على التقدير الثاني للحكماء وعلى مذهبهم ، فبأن يقال : لا نسلّم أنّ العقوبة شرّ محض مطلقا ، فإنّها على تقدير تسليم كونها شرّا ، فإنّما يسلّم ذلك بالقياس إلى الشخص المعذّب فقط ، لا بالقياس إلى غيره أيضا ، بل هو خير بالقياس إلى