والعقاب بعد الموت إلّا بعد العود ، فيجب العود إيفاء للوعد والوعيد ، وعملا بمقتضى العدل ، وإن كان يجوز العفو عن مقتضى الوعيد بالنّسبة إلى بعض المكلّفين لأسباب حاصلة هناك. وبعبارة أخرى ، أنّا نعلم أنّ الله تعالى كلّف العباد بالأوامر والنّواهي ، فيجب أن يوصل إليهم الثواب بالطاعة والعقاب على المعصية ، فيجب البعث بمقتضى الحكمة ، وإلّا لكان ظالما ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
والقول بأنّ إيجاب هذه التكاليف وقع شكرا للنعم التي أنعم الله تعالى بها ، فلا يستحقّ المكلّف ثوابا كما قال به بعض المتكلّمين في غاية السقوط ، إذ إيجاب المشقّة في شكر المنعم قبيح عقلا ، مع أنّه لا يستقيم في العقاب أصلا.
ولا يخفى أنّ هذا الدليل الذي ذكرنا ، كما أنّه يستقيم على قاعدة المتكلّمين القائلين بالحسن والقبح العقليّين وإنّ العدل يجب على الله تعالى ، كذلك يستقيم على مذهب الحكماء القائلين بالعناية الأزليّة وبوجوب اشتمال أفعاله تعالى على حكم ومصالح تتبعها ، وبوجوب صدور الخير عنه تعالى ، وأمثال ذلك ممّا قالوا به.
نعم ، لا يستقيم ذلك على مذهب الأشاعرة الّذين خلعوا ربقة العقل عن أعناقهم ، ولا ضير فيه ، مع أنّهم أيضا ليسوا ممّن أنكروا المعاد ، بل صدّقوا به وقبلوه من جهة الشرع خاصّة.