وعلمت أنّ الشخص الإنسانيّ عبارة عن مجموع نفسه وبدنه ، وأنّ تشخّصه وهذيّته بتشخّص المجموع ، أي تشخّص نفسه والأجزاء الأصليّة من بدنه.
وعلمت أنّ موته عبارة عن قطع تعلّق نفسه عن بدنه.
وعلمت أنّه بعد قطع التعلّق ، يكون نفسه التي هي الأصل في تشخّصه وفي كونه هو هو ـ ولذا سمّيت بالنفس ، فإنّ معنى النّفس هو العين ، كان ذلك الشخص هو بعينه ذلك الأمر المسمّى بالنفس فقط ـ باقية بعينها وبشخصها ، ويكون الأجزاء الأصليّة من بدنه التي لها أيضا مدخل في تشخّص الشخص وهذيّته باقية أيضا بعينها من غير تبدّل وتغيّر فيها.
وعلمت أنّ المعاد الجسمانيّ عبارة عن جمع الأجزاء المتفرقة من بدنه ، ولا سيّما الأجزاء الأصليّة كهيئتها الأولى البدنيّة ، وإعادة التأليف مرّة أخرى ، وإعادة تعلّق النفس بها كرّة بعد أولى كما كان أوّلا ، وأن لا مانع من ذلك عقلا ولا شرعا.
لا يبقى لك شكّ في أنّه يمكن تحقّق المعاد الجسمانيّ بهذا النحو ، أي عود تعلّق الروح الباقية بعينها بذلك البدن الأوّل العنصريّ الباقي بالأجزاء الأصليّة ، حيث إنّ نسبة قدرة القادر المختار إلى كلّ أمر ممكن في ذاته على السواء. وكما أنّ تفريق أجزاء البدن وقطع تعلّق النفس عنه أمر ممكن ، كذلك جمع تلك الأجزاء المتفرّقة الباقية وإعادة التأليف لها مرّة أخرى ، وإعادة تعلّق تلك النفس الباقية إلى ذلك البدن كرّة بعد أولى أمر ممكن في ذاته ، وكما أنّه لا مانع من الأوّل لا مانع من الثاني ، وليس فيه إعادة معدوم حتّى تمنع ، كما سبق بيانه غير مرّة ، ولا فيه شبهة تناسخ لما مضى وسيجيء.
وبالجملة ، فحيث لم يكن فيه مانع عقلا ولا شرعا وقد أخبر به الشرع ، وجب التصديق به.
وكذلك لا يبقى لك شكّ في أنّ الشخص المعاد يوم القيامة هو بعينه الشخص المبتدأ في دار الدنيا ، كما نطق به الشرع أيضا ، إذ لا اختلاف بينهما أصلا فيما هو مناط التشخّص ومنشأ الهذيّة ، وإن كان الاختلاف بينهما واقعا فيما ليس له مدخل في ذلك ، كالأجزاء الفضليّة والتأليف المجدّد الواقع ثانيا والهيئة التركيبيّة الثانويّة.