وبالجملة ، فما ذكرناه مع قيام الدليل العقليّ عليه لا مانع منه شرعا ولا عقلا ، وما يتراءى من المانع العقليّ هنا ، وهو أنّه يلزم أن يكون انتقال النفس بعد مفارقتها عن البدن الأوّل إلى البدن الثاني الذي ذكر أنّه غير الأوّل باعتبار ومثله باعتبار آخر تناسخا ، فهذا المانع أيضا منتف ، إذ قد عرفت فيما أسلفنا لك في مبحث إبطال التناسخ ، أنّ العمدة في المحال اللازم على تقديره إنّما هو استيجاب كون بدن واحد ذا نفسين ، وكون نفس واحدة ذات بدنين منفصلين متغايرين ، ولزوم انقلاب الفعليّة قوّة محضة ، وكلّ ذلك مبنيّ على أن يكون البدن الذي ينتقل إليه النّفس المستنسخة غير البدن الأوّل ذاتا حتّى يكون فيه استعداد لنفس أخرى أيضا ، ويكون النّفس في ضمنه بالقوّة من جهة كمالاتها بعد كونها بالفعل ، أو يلزم منه كون نفس واحدة ذات بدنين منفصلين موجودين بوجودين ، وهذا غير لازم على تقدير كون البدن الثاني عين الأوّل ذاتا وإن كان غيره من جهة بعض الأحوال الغير المشخّصة ، إذ ما هو عين البدن الأوّل ذاتا لا نسلّم أنّه يكون فيه استعداد لحدوث نفس أخرى غير الأولى ، ولا نسلّم أيضا أنّه تكون النفس الأولى المتعلّقة بالقوّة من جهة كمالاتها ، بل إنّها تكون بالفعل فيه كما كانت أوّلا ، ولا يكون أيضا مغايرا بالذات للبدن الأوّل. وكذا لا يلزم انتفاء المرجح لتعلّقها به ، لأنّ التعلّق السابق به ، أي بأجزائه الأصليّة منه لم ينعدم ، بل هو باق ، كما أشرنا إليه سابقا وسنشير إليه ، وحيث كان باقيا فلا يكون هنا تعلّق جديد حتّى يحتاج إلى المرجّح. ولو سلّم كونه تعلّقا جديدا ، فالتعلّق السابق يكفي كونه مرجّحا لذلك.
وبالجملة ، فالمحال اللازم على تقدير التّناسخ لا يلزم على تقدير المعاد الجسمانيّ كما قرّرناه ، وإن سمّاه أحد بالتناسخ فلا مشاحّة للأسماء كما سمّاه الشرع بالبعث والحشر والنشور وأمثال ذلك من الأسماء.
هذا الذي ذكرناه إنّما هو بيان الأمر الثاني من تلك الأمور الثلاثة. ولا يخفى عليك أنّه كما يتمّ في النّفوس الكاملة ، يتمّ في النفوس الناقصة أيضا كنفوس البله والصّبيان والمجانين ، حيث إنّ المقدمات التي مبنى بيان هذا الأمر عليها مشتركة ، أمّا ما سوى مقدّمة بقاء النفس وتجرّدها فظاهر اشتراكها ، وأمّا هي فكذلك أيضا ، لأنّك قد عرفت فيما