لا جميع الأجزاء على الإطلاق ، وهذا الجزء فضل في الإنسان الآكل ، فلا يجب إعادته فيه ، ثمّ إن كان من الأجزاء الأصليّة للمأكول أعيد فيه وإلّا فلا ، وكان فيما نقلنا آنفا من حديث الزنديق إشارة إلى هذه الشبهة وإلى الجواب عنها ، بأتمّ تقرير ، فتبصّر.
وحيث عرفت ما ذكرنا ، عرفت تصحيح الوجه في المعاد الجسمانيّ كما نطق به الشّرع ، وأنّ ذلك أمر ممكن في ذاته لا مانع فيه ، وعرفت قيام الدليل العقليّ على أنّ المعاد يوم القيامة هو ذلك الشخص الأوّل المبتدأ بعينه نفسا وبدنا. وأنّه ينبغي أن يحمل الآيات والأخبار الدالّة على المعاد الجسمانيّ ، وأنّ المعاد يوم القيامة هو الشخص الأوّل بعينه ، على ما ذكر. وأنّ ما يدلّ منها على أنّ المعاد هو مثل الشخص الأوّل أو أنّ ما في القيامة هو خلق جديد ، كقوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (١).
وقوله تعالى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) (٢).
وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٣).
وقوله تعالى : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٤).
ينبغي حمله على أنّه مثل الأوّل في بعض الصفات والأحوال التي لا دخل لها في تشخّص الشخص كالأجزاء الفضليّة ، والتأليف الثاني ، إلّا أنّه عينه فيما هو مناط التشخّص كالنفس الباقية والأجزاء الأصليّة الباقية. وكذا هو خلق جديد بحسب الأجزاء الفرعيّة الفضليّة وبحسب التأليف الثاني الواقع في الزمان الثاني. وقد تكلّمنا في ذلك في مقدّمة الرسالة أيضا ، فتذكّر.
__________________
(١) يس (٣٦) : ٨١.
(٢) الواقعة (٥٦) : ٦٠.
(٣) سبأ (٣٤) : ٧.
(٤) السجدة (٣٢) : ١٠.