مبحث إبطاله.
لا يقال : لا نسلّم لزوم ذلك المحال حينئذ ، فإنّ لزومه مبنيّ على أن يكون المادّة البدنيّة التي هي مادّة البدن الذي هو غير البدن الأوّل ، مستعدّة لفيضان نفس أخرى غير الأولى ، حتّى يلزم إمكان اجتماع نفسين فيه ، أو أن تكون النفس المستنسخة في ضمن ذلك البدن المغاير بالقوّة من جهة كمالاتها بعد أن تكون بالفعل ويلزم المحال اللازم على تقديره ، وهذا غير مسلّم في المواد الأخرويّة ، فإنّه إنّما هو من لوازم المواد الدنيويّة ، والموادّ الأخرويّة ليست مثلها ، بل هي مخالفة في كثير من الصفات والأحوال للمواد الدنيويّة ، حتّى كأنّها مباينة لها بالذات كما مرّت الإشارة إليه ، ولعلّ هذا منها.
لأنّا نقول : سلّمنا أنّ المواد الأخرويّة ليست من جنس المواد الدّنيويّة ، بل هي مخالفة لها في كثير من الصفات والأحوال ، إلّا أنّا نقول : إنّ تلك المادّة البدنيّة الأخرويّة الحاصل منها بدن آخر غير الأوّل ، إن لم تكن مستعدّة لفيضان نفس عليها أصلا ولا قابلة لها قطعا ، فكيف يمكن تعلّق النفس الأولى بها؟ وإن كانت مستعدّة لفيضان نفس عليها ، وكانت فيها قوّة قبول لها ، فنسرد الكلام حينئذ ونقول في إبطاله كما نقلنا في إبطال التّناسخ في المواد البدنيّة الدنيويّة ، حذو النّعل بالنّعل والقذّة بالقذّة.
ومنها أن يقول : إذا كانت النفس الإنسانيّة واحدة بالذات والعدد ، وكانت لها قوى ومراتب متعدّدة ، باعتبارها تسمّى تارة نفسا إنسانيّة ، وتارة حيوانيّة ، وتارة نباتيّة ، كما عرفت. ولا سترة في أنّ القوّة الإنسانيّة وإن كانت غير بدنيّة ، إلّا أنّ الحيوانيّة والنباتيّة بدنيّتان ، أي حصولهما لها إنّما هو في ضمن بدن خاصّ بخصوصه لما عرفت أنّ ما هو جزء للشّخص الإنسانيّ وله مدخل في شخص نفسه الخاصّة وتميّزها وحصول المراتب والقوى لها إنّما هو البدن الخاصّ بخصوصه ، فإذا كانت تلك النفس يوم القيامة متعلّقة ببدن آخر غير الأوّل ، فإمّا أن لا تكون تلك القوى والمراتب البدنيّة حاصلة لتلك النفس أصلا فهذا محال ، لأنّه يلزم أن لا تكون تلك النفس في حال البعث عين الأولى بل غيرها.
وإمّا أن تكون تلك القوى والمراتب حاصلة لها حين البعث ، فهذا أيضا محال ، لأنّ تلك القوى والمراتب إنّما هما قوى ومراتب خاصّة متخصّصة ببدن مخصوص وهيكل