باختلاف الآلات ، بأن تكون تلك القوى والحواسّ فيه آلة لها في أفعالها من غير أن يكون لها حظّ فيه كما حقّقناه في ذلك الباب.
ومنها ما أسلفنا لك في الباب الرابع ، في مبحث حدوث النّفس بحدوث البدن ، أنّ الأنفس الإنسانيّة التي هي متّفقة في المعنى والنّوع ، إنّما يكون تكثّرها وتمايزها بالأبدان الخاصّة ، وكذا يكون تشخّصها بالهيئات البدنيّة المخصوصة.
ومنها ما أسلفنا لك في ذلك الباب من إبطال التناسخ ونحوه.
وبعد تمهيد تلك المقدّمات ، نقول : إنّك بعد ما أحطت بتلك المقدّمات حقّ الإحاطة وتدبّرت فيها حقّ التدبير ، كأنّك يتّضح لك هذا المطلوب الذي نحن بصدد بيانه حقّ الاتّضاح ، ولا أظنّك في مرية من هذا ، بل يتلخّص لك فيه براهين عقليّة دالّة عليه ، كلّ واحد منها كاف في إثبات هذا المرام ، ولمجموعها تأثير عظيم في إنارة المقام وإزاحة الشّكوك والأوهام.
ومن جملة تلك البراهين أن يقال : إذا كان الشخص الإنسانيّ عبارة عن النفس الخاصّة المتعلّقة ببدن مخصوص بخصوصه ـ كما عرفت بيانه ـ وجب أن يكون تعلّق تلك النفس في القيامة بذلك البدن المخصوص بعينه ، حتّى يكون ذلك الشخص المعاد هو بعينه ذلك الشخص المبتدأ في الدّنيا ، ويكون مصدر الطاعة والمعصية ، ومورد الثواب والعقاب واحدا ، فإنّه لو لم يكن وجاز تعلّق تلك النفس في القيامة ببدن آخر غير البدن الأوّل ذاتا ، لم يكن ذلك الشخص هو بعينه ذلك الشخص المبتدأ بل غيره ، ويكون ورود الثّواب والعقاب عليه ظلما منه تعالى ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
ومنها أن يقال : إذا كانت النفس الإنسانيّة بدنيّة ولم يكن البدن الذي لها حين المعاد بدنا مثاليّا ، ولا بدنا فلكيّا ، ولا بدنا من جرم إبداعيّ كما عرفت ، بل يجب أن يكون بدنا عنصريّا ، فذلك البدن العنصريّ إن كان عين البدن الأوّل كما عرفت معناه فهو المطلوب ، وإن كان غيره بالذات ، فيلزم التناسخ المحال.
لسنا نقول : إنّه يلزم إطلاق التناسخ عليه ، حتّى يجاب بأنّ الشرع جوّز هذا النوع من التناسخ ، بل نقول : إنّه حينئذ يلزم المحال اللازم على تقدير التناسخ ، كما مرّ بيانه في