وكذا يلزم أن يكون إدراك النفس للثواب والعقاب الحسّيّين بتوسّط تلك القوى الأخرى منافيا للحكمة أيضا ، إذ الواسطة في إدراك النفس لها غير الواسطة في فعل الأفعال التي هي منشأ للثواب والعقاب.
والتفصيل أن يقال : إذا أعيدت النفس في الآخرة في ضمن البدن الآخر المغاير للأوّل فهذا محال من وجوه :
لأنّه مع لزوم أن لا تكون تلك النفس المعادة عين النفس الأولى المبتداة كما عرفت ، يلزم منه محالات اخر أيضا ، لأنّه حينئذ إمّا أن لا تكون للنفس في البدن الثّاني المغاير قوى ومشاعر حسّيّة أصلا فهذا محال ، لأنّه مناف للحكمة ، إذ التّعلق بالبدن العنصريّ ـ كما هو المفروض ـ إنّما هو لأجل أن تكون لها قوى حسّيّة بدنيّة.
وإمّا أن تكون لها قوى حسيّة ، فحينئذ ، إمّا أن لا تكون للنفس إدراك للذّات والآلام الحسّيّتين أصلا ، فهذا محال ، لأنّه خلاف ما نطق به الشرع وخلاف ما دلّ عليه العقل من أنّ القوى الحسّيّة في الآخرة إنّما تكون لأجل إدراك اللذّات والآلام الحسّيّتين ، كما أنّها في الدنيا إنّما تكون لأجل الأفعال الجزئيّة الحسّيّة.
وإمّا أن تكون للنفس إدراك للذّات والآلام الحسّيّتين ، وحينئذ فإمّا أن يكون المدرك لهما ذات النفس بذاتها من غير مدخليّة شيء فيه أصلا ، فهذا محال ، لأنّه قد تقرّر عندهم كما عرفت سابقا أنّ النفس لا تدرك الجزئيّات بذاتها. وأيضا يلزم أن يكون وجود تلك القوى والحواس معطّلا محضا ، وقد تقرّر عندهم أنّه لا معطّل في الوجود.
وإمّا أن يكون إدراك النفس لتلك اللذّات والآلام الحسّيّتين بمدخليّة تلك القوى والحواس ، على أن تكون تلك القوى مجرّد آلة من غير أن يكون لها حظّ في الإدراك ، فهذا محال ، إذ قد أثبتنا في الأبواب السّابقة ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ أنّ تلك الحواسّ والقوى واسطة في ذلك ، ولها حظّ ونصيب فيه كما للنفس ، إلّا أنّ ما للنفس بتوسّط تلك القوى وما لتلك القوى بالذات لا بالواسطة.
وإمّا أن يكون إدراك النفس لهما بتوسّط تلك القوى كما هو الحقّ ، فحينئذ نقول : إنّ تلك القوى والحواسّ الحاصلة للنفس في ضمن البدن الثاني المغاير لمّا كانت غير الأولى