الحاصلة لها في ضمن البدن الأوّل ، لأنّ تخصّص كلّ قوة من تلك القوى وتميّزها وتعيّنها إنّما هو بمادة بدنيّة مشخّصة متخصّصة وبآلة بدنيّة متعيّنة ، والمفروض أنّ البدن الثاني غير البدن الأوّل ذاتا ، فتكون القوى الثانيّة أيضا مغايرة للقوى الأولى ذاتا ، كان إدراك القوى الثّانية للذّات والآلام الحسّيّتين الذي هو بالنسبة إليها ثواب وعقاب ، وعدم إدراك القوى الأولى لذلك منافيا للحكمة بل ظلما ، لأنّ ما فعلت الأفعال التي هي منشأ للثواب والعقاب لم يرد عليها ثواب ولا عقاب ، وما لم تفعل ورد عليها ذلك.
وأيضا يلزم أن يكون إدراك النفس بتوسّط القوى الثانيّة للثواب والعقاب الحسّيّين منافيا للحكمة أيضا ، كما عرفت.
فبقي أن يكون عود النفس في القيامة في ضمن البدن الأوّل بعينه ، حتّى لا يلزم تلك المحالات ، وهو المطلوب.
ولذلك قال بعض أهل التحقيق (١) : «إنّ الحكمة تقتضي بعث الإنسان لجميع قواه وجوارحه ، وإنّ لكلّ قوّة من قوى النفس كمالا يخصّها ولذّة وألما يناسبها ، وبحسب كلّ ما كسبته يلزم لها في الطبيعة الجزاء كما قرّرته الحكماء من إثبات الغايات الطبيعيّة لجميع المبادئ والقوى عالية كانت أم سافلة (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) وإنّ من تحقّق هذا تحقّق لزوم عود الكلّ ولم يشتبه عليه ذلك ، وهذا مقتضى الحكمة والوفاء بالوعد والوعيد ولزوم الجزاء على ما يراه الحكماء من لزوم المكافاة في الطبيعة والمجازاة ، لامتناع ساكن في الخليفة ، معطّل في الطبيعة» انتهى كلامه.
ومنها ، أن يقال : إذا كانت الأنفس الإنسانيّة التي هي متّفقة في المعنى ، إنّما يكون تكثّرها وتمايزها بالأبدان الخاصّة ، وتشخّصها بالهيئات البدنيّة المخصوصة ، فلو كانت في القيامة تعاد في ضمن بدن مغاير للأوّل ذاتا لم يكن تلك النفس تلك النفس الأولى المبتداة الفاعلة للخيرات والشّرور ، فلم يكن ورود الثواب والعقاب عليها من مقتضى الحكمة ، بل منافيا لها وظلما. تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
__________________
(١) هو صدر المتألّهين في الشواهد الربوبيّة / ٢٧٧ ـ ٢٧٨.