وممّا قرّرنا في ضمن تلك البراهين ، ظهر لك فساد ما قيل من أنّ المدرك للثواب والعقاب حقيقة إنّما هو النفس التي هي باقية بحالها والبدن آلة لها من غير أن يكون له دخل فيه أصلا ، فلا مانع من أن تعود في النشأة الأخرويّة في ضمن بدن آخر غير الأوّل ، فتبصّر.
ثمّ إنّه من جملة الشواهد على هذا المطلوب الذي نحن بصدد بيانه ، أنّ النظر في لفظ «المعاد» الذي نطق به الشرع وصدّق به العقلاء يقتضي أن يكون عود النفس في القيامة في ضمن البدن الأوّل بعينه ، لأنّك قد عرفت فيما ذكرنا في المقدمة أنّ المعنى الحقيقيّ لهذه اللفظة هو أن يكون قد وجد أوّلا شيء فرض هو متعلّق الإعادة على وجود مخصوص وحال وصفة مخصوصتين ، ثمّ زال عنه ذلك الوجود وتلك الصفة والحالة ، ثمّ وجد بعد ذلك على ذلك الوجود الأوّل والحالة والصفة المخصوصتين الأوليين.
وقد عرفت فيما تلوناه عليك أنّ النفس باقية بذاتها وكذلك الأجزاء الأصليّة البدنيّة ، وإنّما الزّائل هو تعلّق النفس بذلك البدن الأوّل بهيئته ، فينبغي أن يكون متعلّق الإعادة هو التعلّق ثانيا بذلك البدن الأوّل بعينه كما عرفت معناه ، لا التعلّق ببدن مطلق أو بدن ما غير الأوّل ذاتا ، لأنّه لم يزل عنها حتّى يعاد.
وهذا أيضا من المؤيّدات للمطلوب ، وإن لم يكن دليلا عقليّا عليه. وبما ذكرناه من البراهين وقرّرناه من الدلائل تمّ بيان الأمر الثالث أيضا من تلك الأمور الثلاثة.
ولا يخفى عليك أنّ هذا البيان أيضا غير خاصّ ببعض النفوس الإنسانيّة دون بعض ، بل يجري في جميع النفوس الإنسانيّة كاملة كانت أم ناقصة أم متوسّطة ، فإنّ المقدّمات التي بناء هذا البيان عليها مشتركة في الكلّ لا اختصاص لها ببعض دون بعض ، كما يظهر بالتأمّل فيها.
ولا يخفى أيضا أنّه بما ذكرنا ، كما يتمّ بيان جوب عود النفوس إلى البدن الأوّل بعينه، كذلك يتمّ به بيان وجوب وقوع الثّواب والعقاب الحسّيّين للنفس في ضمنه ، أي لذلك الشخص بعينه ، مضافا إلى وقوع الثّواب والعقاب العقليّين اللذين هما لتلك النفس في ذاتها ، لأنّه إذا وجب عود النفس إلى البدن الأوّل والحال أنّه يكون لها في ضمنه آلات