والصّبيان والمجانين وأمثالهم ، والقرينة عليه أنّه جعل شعورها بذاتها أيضا مميّزا ، والحال أنّه عامّ يعمّ المستكملين وغيرهم. وأيضا جعل من المميّزات لها الهيئات التي تحصل لها من جهة قواها النظريّة ، وهي أيضا عامّة تعمّ الهيئة الحاصلة من جهة العقل الهيولانيّ الذي يعمّهم أيضا ، وكذا الهيئات التي تحصل لها من جهة قواها العمليّة ، وهي أيضا عامّة كما لا يخفى مع أنّ الأدلّة التي أقامها على تجرّد النفس ـ كما نقلنا بعضها وذكرنا توجيهها ـ تجري في نفوس غير المستكملين أيضا وتعمّ المستكملين وغيرهم. وهذا الذي يظهر من كلامه هنا هو الحقّ الحقيق بالقبول ، ويدلّ عليه العقل كما عرفت ، بل النقل أيضا ، كما نقلنا فيما سلف أخبارا عن الصادقين عليهالسلام دالّة على ذلك فتذكّر.
ثمّ إنّ هاهنا كلاما آخر ، وهو أنّه قد نقل عن بعض أعاظم المتأخّرين أنّه قال في بيان كيفيّة زيارة القبور وإجابة الدعوات : «إنّ للنّفس الإنسانيّة نوعين من التعلّق بالبدن : أحدهما من حيث المادّة ، والثاني من حيث الصورة ، وإنّ الموت وإن كان سببا لزوال تعلّق الثاني ، لكنّه لا يكون سببا لزوال الأوّل ، ومن هنا يظهر سرّ زيارة القبور وإجابة الدعوات» (١) انتهى.
وقد ذكر صدر الأفاضل رحمهالله في الشواهد الربوبيّة كلاما بهذه العبارة : «الإشراق الثامن في الأمر الباقي من أجزاء الإنسان مع نفسه والإشارة إلى عذاب القبر. اعلم أنّ الروح إذا فارق البدن العنصريّ ، يبقى معه أمر ضعيف الوجود من هذا البدن قد عبّر عنه في الحديث بعجب الذّنب. وقد اختلفوا في معناه ، قيل : هو العقل الهيولانيّ. وقيل : بل الهيولى الأولى. وقيل : الأجزاء الأصليّة. وقال أبو حامد الغزاليّ : إنّما هو النفس وعليها تنشأ النشأة الآخرة. وقال أبو يزيد الوقواقيّ : هو جوهر فرد يبقى من هذه النشأة لا يتغيّر ينشأ عليه النشأة الثانية. وعند الشيخ الغزاليّ هي أعيان الجواهر الثابتة. ولكلّ وجه ، لكنّ البرهان منّا دلّ على بقاء القوّة الخياليّة التي هي آخر هذه النشأة الأولى وأوّل النشأة الثانية.
فالنفس إذا فارقت البدن وحملت المتخيّلة المدركة للصور الجسمانيّة فلها أن تدرك
__________________
(١) والقائل هو السيّد الداماد رحمهالله.