(وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (١) ، حيث إنّ المفسّرين قالوا في تفسيره : إنّ المعنى : وجنّة عرضها كعرض السموات السبع والأرضين السبع ، وذكر العرض دون الطول ، لأنّ كلّ ما له عرض وطول ، فإن عرضه في الأكثر أقلّ من طوله ، فإذا كان العرض مثلا السموات والأرض ، فطولها لا يعلمه إلّا الله تعالى ، فإذا كان مقدار الجنّة ذلك المقدار ، فلا يمكن أن يكون مكانها داخل طبقات السموات ولا في ما بينها.
وما روي عن بعض المفسّرين كالحسن ، من أنّ الله تعالى يفني الجنّة ثمّ يعيدها على ما وصفه ، فلذلك صحّ وصفها بأنّ عرضها كعرض السماء والأرض مبني على طروء فناء على الجنّة ، وهو مخالف للإجماع ، وكذا للنقل والعقل كما سبق بيانه في مقدّمة الرسالة.
كما أنّ القول بأنّه يمكن أن يوجد الله تعالى عند قيام الساعة الجنّة ويجعلها بذلك المقدار ، وفي مكان السموات والأرض بعد فنائهما ، أي بعد طيّ السموات وتسيير الجبال ودكّ الأرض وزلزالها (٢) ، مبنيّ على أن لا يكون الجنّة والنار موجودتين الآن وتكونان مخلوقتين في القيامة ، وهذا أيضا مخالف للمذهب الحقّ الذي ذهب إليه جمهور المسلمين ، إلّا جمعا من المعتزلة ، ودلّ عليه الكتاب والسنّة.
وبالجملة ، فإذا كانتا موجودتين الآن ، وكان عرض الجنّة ما ذكر من المقدار ، أي كعرض السموات السبع والأرضين السبع ، فلا يمكن أن يكون مكان الجنّة وحدها داخل طبقات السموات ، ولا فيما بين سماء وسماء ، مع أنّ النار أيضا تستدعي مكانا آخر ، والمفروض حينئذ عدمه.
وبهذا يندفع ما يمكن أن يقال : إنّ اتّصال السموات بعضها ببعض وإن قال به الحكماء ، لكن لا دليل قطعيّا عليه ، فيمكن أن يكون بينها فرج وأفضية ، وتكون الجنّة والنار فيها. وبيان الاندفاع ظاهر.
وكذلك يظهر بهذا البيان أنّه لا يمكن أن يكون مكان الجنّة والنار داخل طبقات
__________________
(١) الحديد (٥٧) : ٢١.
(٢) إشارة إلى سورة الكهف (١٨) : ٤٧ ؛ سورة الأنبياء (٢١) : ١٠٤ ؛ سورة التكوير (٨١) : ٣ ؛ سورة الفجر (٨٩) : ٢١ وسورة الزلزلة (٩٩) : ١.