وحيث عرفت ذلك ، فنقول : وكذلك يمكن أن يكون مكان النار في فضاء يكون بين سماء وسماء من جملة السموات السبع التي تحت السماء الثامنة ، أو بين الحجب التي فيها ، إذ لا امتناع في أن يكون بينها فضاء يكون ذلك مكان النار ، وكذا لا امتناع في أن يكون كونها فيها مقتضى طباعها ، حيث إنّ النّار الجسمانيّة وإن كانت مادّيّة جسمانيّة ، إلّا أنّها من جنس أجسام الآخرة التي هي كأنّها مخالفة بالحقيقة للأجسام الدنيويّة وللنّار التي في عالم العناصر ، وكأنّها للطافتها ومشابهتها للأجرام الفلكيّة في بعض الصّفات والأحوال قريبة منها ، فجاز أن يكون مكانها في ذلك الفضاء من غير لزوم محال. بل جاز أن يكون مكانها تحت مقعّر فلك القمر ، أي بينه وبين محدّب كرة الأثير ، إذ لا مانع من ذلك أيضا.
ولا ينافي ما جوّزناه من مكان الجنّة والنار ما ذكره الشيخ الطّبرسيّ رحمهالله ، في «مجمع البيان» في تفسير قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (١). حيث قال : «قيل فيه قولان :
أحدهما ، أنّ المعنى تبدّل صورة الأرض وهيئتها ، عن ابن عباس ، فقد روى عنه أنّه قال : تبدّل آكامها وآجامها وجبالها وأشجارها والأرض على حالتها ، وتبقى أرضا بيضاء كالفضّة ، لم يسفك عليها دم ، ولم يعمل عليها خطيئة ، ويبدّل السموات ، فيذهب شمسها وقمرها ونجومها ، وكان ينشد :
فما الناس بالناس الذين عهدتهم |
|
ولا الدار بالدّار التي كنت أعرف |
ويعضده ما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنّه قال : يبدّل الله الأرض غير الأرض والسموات ، فيبسطها ويمدها مدّ الأديم العكاظيّ لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثمّ يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه المبدّلة في مثل مواضعهم من الأولى ، ما كان في بطنها كان في بطنها ، وما كان على ظهرها كان على ظهرها.
والآخر أنّ المعنى يبدّل الأرض وينشأ أرض غيرها والسموات كذلك تبدّل بغيرها
__________________
(١) إبراهيم (١٤) : ٤٨.