عليه ، بل إنّ الروايات الدالّة على وجود الحجب في السموات تدلّ على عدم اتّصال الأفلاك بعضها ببعض وكون الحجب بينها ، إنّما المسلّم امتناع فرجة وفضاء بين السموات يكونان خلاء حيث إنّ الخلاء ممتنع ، وكذا امتناع فضاء يكون فيه جسم يكون كونه فيه خلاف مقتضى طبعه مع بقائه على طبعه كالعنصريّات التي أحيازها الطبيعيّة ما تحت فلك القمر.
ولا نسلّم أنّ كون الجنّة بما فيها هناك خلاف مقتضى طباعها الذاتيّ ، بل جاز أن يكون ذلك مقتضى طباعها ، حيث إنّ الجنّة الجسمانيّة بما فيها وإن كانت مادّيّة من جنس الأجسام ، إلّا أنّها من جنس الأجسام الأخرويّة ، وقد عرفت غير مرّة أنّ الأجسام الأخرويّة مخالفة في كثير من الصفات واللوازم للأجسام الدنيويّة ، عنصريّاتها وفلكيّاتها ، كأنّها مخالفة بالحقيقة لها ، وإلّا أنّ لها نوع مشابهة للأجسام الفلكيّة في اللطافة والصفاء ونحو ذلك ، وإن كانت هي أشرف وأعلى منها في ذلك بكثير ، فجاز أن تكون أحياز تكون الأجسام الأخرويّة أحيازا للأجرام الفلكيّة ، أي ذلك الفضاء الذي فرضناه من غير لزوم محال ، كما جاز أن يكون في أحيازها حجاب أو فلك أو فلكيّ غير الأفلاك التسعة ، وإن لم نكن نعلمه.
وما يتوهّم من أنّه على تقدير كون الجنّة بما فيها ـ كالأشجار والأنهار والقصور ونحو ذلك ـ في محدّب الفلك الثامن يلزم خرق ذلك المحدّب ، والحال أنّ الخرق ممتنع على الأفلاك.
فهو مندفع ، إذ يمكن كون الجنّة بما فيها فيه بحيث لا يستلزم خرقا. وعلى تقدير تسليمه أيضا نقول : إنّ الدليل الذي ذكره الحكماء على امتناع الخرق والالتيام على الأفلاك ، فهو على تقدير تماميّته إنّما يتمّ في محدّد الجهات الذي هو الفلك التاسع بزعمهم ، لا في سائر الأفلاك ، أي الأفلاك الثّمانية الباقية ، بل إنّما هو فيها مجرّد استحسان ، فجاز أن يطرأ الخرق على الفلك الثامن من غير لزوم محال.
ومن هذا البيان يظهر أنّه يجوز أن يكون مكان الجنّة بما فيها بين الحجب التي في السماوات أيضا ، أي بين الحجب التي هي فوق السماء السابعة وتحت العرش.