وقوله : «فوق السماء السابعة» على السماء الثامنة وتحت العرش كما هو الظاهر ، وأنّه إذا كانت جنّة المأوى عند سدرة المنتهى التي مكانها ذلك ، يكون مكان جنّة المأوى أيضا ذلك.
وأمّا احتمال أن يكون المراد ب «فوق السماء السابعة» محدّبها فبعيد غاية البعد ، لأنّه يلزم حينئذ إمّا أن لا يكون بين السابعة والعرش فلك ثامن ، أي الكرسيّ ، وهو خلاف ما قال به أهل الشرع والحكماء ، وإمّا أن يكون سدرة المنتهى في داخل ثخن الثامنة ، متداخلة لها إن قيل بالثامنة ، وهو خلاف الظاهر جدا ، إن لم نقل بامتناع تداخل السدرة في الثامنة ، ولو قلنا به لكان الأمر أظهر.
وبالجملة ، فلا امتناع في أن يكون مكان الجنّة بحيث يكون أرضها محدّب الفلك الثامن ، أي الكرسيّ ، وسقفها مقعّر الفلك التاسع ، الذي هو العرش بلسان الشرع ، ويؤيّده كونه مناسبا لمعناه اللّغوي أيضا. وأن يكون بينهما فضاء يسع الجنّة بما فيها ، ويكون عرض ذلك الفضاء كعرض السّماء والأرض ، أي كعرض السّماوات السّبع والأرضين السّبع كما قاله المفسّرون في تفسير قوله تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ). وكان وجه ذلك التّفسير أنّ لفظ السّماء في الآية ، وإن وقع محلّى بلام الجنس ومفاده العموم ، إلّا أنّ الشّائع في لسان الشّرع إطلاق السماء على السّماوات السّبع التي هي تحت الفلك الثّامن ، كما ورد من إطلاق السموات السبع. وأمّا إطلاق السّماء على الفلك الثّامن والتّاسع ، فهو وإن كان يمكن بحسب اللغة أو بحسب العرف ، كما ورد في لسان الحكماء ، إلّا أنّه في الشرع لم يطلق عليها اسم السماء بل اسم الكرسيّ والعرش ، وإن كان ورد فيه للعرش والكرسيّ معنى آخر أيضا. وحيث كان كذلك فإذا أطلق السّماء يكون المراد منه ما سوى الفلك الثامن والتاسع من الأفلاك السّبعة.
والحاصل ، أنّه لا امتناع في أن يكون مكان الجنّة ذلك الفضاء الكائن بين الثامن والتاسع ، وأن يكون عرض ذلك الفضاء ، أي عرض الجنّة الواقعة فيه كعرض السموات السبع والأرضين السبع ، وما ادّعاه الحكماء من لزوم اتّصال الأفلاك بعضها ببعض بحيث لا يكون بينها فرجة وفضاء ، ولا في ذلك الفضاء شيء آخر غير مسلّم ، إذ لا دليل قطعيّا