بِجَهَنَّمَ ...) (١) الآية.
وقال المفسّرون في تفسيره : إنّه يجيء بها سبعون ألف ملك ، يقودونها بسبعين ألف زمام ، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع. وكذا يمكن أن يكون ذلك بمدّ النّار وبسطها حتّى تحصل في الأرض أيضا ، إذ لا امتناع فيه. وعلى التقديرين فلا امتناع في أن يكون الجنّة فوق النار ، بحيث تكون هي للطافتها ورفع الحجاب حينئذ يرى ما فيها من الأكواب والكواعب ، كما دلّ عليه بعض تلك التفاسير.
وأيضا ما يدلّ منها على كون الجنّة في الأرض ، يمكن أن يكون بتحريكها أو بسطها كما قلنا في النار ، فلا منافاة أيضا. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وبما فصّلناه يظهر الجواب عن تلك الشّبهة ، وهو مبنيّ عل تسليم استحالة تداخل الأجسام الأخرويّة في الأجسام الدّنيويّة ، وعلى تسليم استحالة وجود عالمين جسمانيّين ، وإمّا على تقدير تجويزها ، فيمكن جوابان آخران أيضا عن تلك الشبهة.
بيان الأوّل : أنّ التّداخل المستحيل الذي يحكم العقل باستحالته إنّما هو تداخل جسمين كانا من أجسام الدنيا ، ودخول أحدهما في حيّز الآخر من غير زيادة في الحجم ، وأمّا إذا لم يكونا كذلك ، فلا نسلّم امتناع تداخلهما. وهذا كما أنّ الأجسام المثاليّة التي دلّ على وجودها الدليل كما عرفت ، وقال به الحكماء الإشراقيّون أيضا ، حتّى قالوا : ب «أنّ كلّ ما هو من أجزاء هذا العالم المحسوس المشاهد ، فله مثال في عالم المثال» لا شكّ أنّها أجسام ذوات مقادير وأوضاع وأشكال وأحياز ونحوها ، وإن لم تكن ذوات مواد جسمانيّة فلكيّة أو عنصريّة ، ولا شكّ أيضا أنّها موجودة في هذا العالم المحسوس لا في عالم آخر ، على القول بعدم إمكان وجود عالم آخر جسمانيّ كما قالوا به ، ولا شكّ أيضا أنّ وجودها إنّما هو في داخل أجرام هذا العالم وأجسامها ، وفي ثخنها لا في الخلل والفرج والأفضية بينها على القول باتّصال أجرام هذا العالم وأجسامها وكراتها بعضها ببعض ، كما قالوا به أيضا ، فأين مكان عالم المثال والأجسام المثاليّة؟ فلم يبق إلّا أن يكون وجودها
__________________
(١) الفجر (٨٩) : ٢٣.