في داخل أثخان موجودات هذا العالم وأجسامه وأجرامه ، متداخلة فيها من غير استحالة في ذلك.
وإذا جاز تداخل عالم المثال في العالم المحسوس المشاهد ، جاز أيضا تداخل الأجرام والأجسام الأخرويّة التي هي أيضا من عالم آخر غير عالم الظاهر المشاهد المحسوس في العالم المحسوس من غير لزوم محال. فجاز أن يكون مكان الجنّة والنار بما فيهما داخل أثخان وجودات هذا العالم المحسوس وأجسامه وأجرامه ، أمّا الجنّة ففيما فوق السّماء السّابعة ، وأمّا النار ففيما تحتها ، كما قلنا.
وكان ما ذكرنا هو مراد من قال من الحكماء الإسلاميّين إنّه ليس للجنّة والنار مكان في ظواهر هذا العالم ، لأنّه محسوس وكلّ محسوس بهذه الحواس فهو من الدنيا ، والجنّة والنار من عالم الآخرة. نعم مكانهما في داخل حجب السموات والأرض ولها مظاهر في هذا العالم، وعليها يحمل الأخبار الواردة في تعيين بعض الأمكنة لهما ، والروايات في ذلك مختلفة» (١) ، انتهى.
ولا يخفى عليك أنّ ما قدّمنا ذكره من التّفاسير في الآية الكريمة الدالّة على حصول الجنّة والنار في مكان الأرض لا ينافي هذا الوجه من الجواب أيضا ، إذ لا امتناع في أن يكون الجنّة والنّار في داخل أجرام هذا العالم وباطنها حتّى في سطح الأرض والبحر أيضا ، وتكونان يوم القيامة عند ارتفاع الحجاب تظهران على الخلق. والله تعالى يعلم.
وأمّا بيان الثّاني فبأن يقال : إنّ عمدة ما قالوا في بيان استحالة وجود عالمين أمران :
أحدهما أنّه لو وجد عالم آخر ، لكان كرة مثل هذا العالم ، ولا يمكن وجود كرتين متماثلتين ، إلّا بتحقّق فرجة بينهما ، وتلك الفرجة يلزم أن تكون خلاء ، إذ المفروض عدم شيء آخر يملأ تلك الفرجة والخلاء محال.
الثاني : أنّه لو وجد عالم آخر لكان فيه أيضا العناصر الأربعة ، فإن لم تطلب أمكنة عناصر هذا العالم لزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضياتها ، وإن طلبت لزم أن تكون هي
__________________
(١) القائل هو الحكيم المتألّه صدر المتألّهين في كتابه الشواهد الربوبية / ٣٠٠ ، حيث قال : فاعلم أنّه ليس ... والنقول والمرويّات في ذلك كثيرة مختلفة ...