انفعالاتها أيضا ، بل هو جائز عندهم ، كما في انفعالات النفوس الفلكيّة المنطبعة وهيولى الأجسام العنصريّة.
فإن قلت : إنّ عدم تناهي الانفعالات يستلزم عدم تناهي الأفعال أيضا.
قلت : لا يلزم أن يكون تلك الأفعال الغير المتناهية مستندة إلى تلك القوى الجسمانيّة المادّيّة ، بل يمكن أن تكون مستندة إلى ذوات مجرّدة لا استحالة في عدم تناهي أفعالها عندهم.
وعلى تقدير تسليم امتناع عدم تناهي انفعالات القوى الجسمانيّة أيضا ، بناء على جريان دليل بطلان عدم التناهي فيه أيضا ، كبرهان التطبيق والتضايف ونحوهما ، نقول : إنّ زمان الآخرة ليس كزمان الدنيا ، كما أنّ مكانها ليس كمكانها ، فجاز في الآخرة عدم تناهي انفعالات القوى الجسمانيّة ، بل أفعالها أيضا ، لعدم التضايف والتطبيق والمسامتة وأمثالها فيها ، كالتداخل والمباينة والتزاحم ، ممّا هي من لوازم موجودات النشأة الدنيويّة.
وبالجملة ، فقياس العالم الأخرويّ على العالم الدنيويّ ، قياس الغائب على الشاهد ، وهو باطل عند العقلاء.
وأمّا ما ذكره الشابه من دوام الحياة مع دوام الاحتراق ، فهو أيضا ليس بممتنع ، لأنّ امتناعه مبنيّ إمّا على لزوم عدم تناهي القوى الجسمانيّة ، فقد عرفت حاله.
وإمّا مبنيّ على أنّه مع الاحتراق ينعدم ذلك البدن ، فكيف تبقى الحياة؟ وكيف يمكن عذاب ذلك الشخص بعينه؟ فهو غير مسلّم ، لأنّا لا نسلّم أنّه مع الاحتراق ينعدم ذلك البدن بالمرّة ، أو ذلك الشخص بالمرّة ، بل إنّ نفسه باقية كما كانت ، وكذا الأجزاء الأصليّة من بدنه ، وكذا الحياة القائمة بهما ، وإنّما الاحتراق في أجزائه الفضليّة ، كما قال تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (١) ، ولا استحالة فيه. والله أعلم بالصواب ، وإليه المعاد والمآب.
__________________
(١) النساء (٤) : ٥٦.