يمرّ كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمرّ كالرّيح الهابّة ، ومنهم هو كالجراد ، ومنهم من يجرّ رجلاه ويتعلّق يداه ، ومنهم من يخرّ على وجهه» (١) انتهى.
وقال الغزاليّ في رسالته المسمّاة ب «المضنون على غير أهلها» : وأمّا الصراط فهو عبارة عمّا لا مناسبة بين دقّته ودقّة الشعر ، وحدّته وحدّة السّيف ، فهو في الدّقة كالخطّ الهندسيّ ، والصّراط المستقيم عبارة عن الوسط الحقيقيّ بين الأخلاق المتضادّة ، ولذا أمرنا الله بالدّعاء له في سورة الفاتحة ، حيث قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢) ، وقال في حقّ المصطفى عليهالسلام : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٣). مثال ذلك السّخاوة بين التّبذير والإسراف والبخل ، والشّجاعة بين التّهور والجبن ، والتّواضع بين التّكبر والدّناءة ، والعفّة بين الشّهوة والجمود ، فلهذه الأخلاق طرف إفراط وتفريط ، وهما مذمومان ، والوسط ليس من الإفراط ولا من التّفريط ، فهو في غاية البعد من كلّ طرف ، فلذا قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «خير الأمور أوسطها» ومثال ذلك الوسط الخطّ الهندسيّ بين الظلّ والشّمس.
والتّحقيق في ذلك أنّ كمال الآدميّ في المشابهة بالملائكة وهم منفكّون عن هذه الأوصاف المتضادّة وليس في إمكان الانفكاك عنها بالكلّيّة ، فكلّفه الله تعالى ما يشبه الانفكاك وهو الوسط ، فإنّ الفاتر لا حارّ ولا بارد ، والعوديّ لا أبيض ولا أسود ، فالبخل والتّبذير من صفات الإنسان ، والمقتصد السخيّ كأنّه لا يبخل ولا يبذّر ، فالصّراط المستقيم هو الوسط الحقّ بين الطّرفين الذي لا ميل له إلى أحد الجانبين ، وهو أدقّ من الشعر ، والذي يطلب غاية البعد من الطرفين ، فيكون على الوسط ، ولو فرضنا حلقة حديدة محاطة بالنار وقعت فيها نملة ، فهي تهرب بطبعها عن الحرارة ، ولا تهرب إلّا إلى المركز ، لأنّه الوسط الذي هو غاية البعد من المحيط المحرق ، وتلك النقطة لا عرض لها ، فإنّ الصراط المستقيم لا عرض له ، وهو أدقّ من الشعر ، ولذلك خرج من القوّة البشريّة الوقوف عليه ، فلا جرم ، يرد أمثالنا النار بقدر ميله عنه ، كما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً
__________________
(١) راجع شرح التجريد للقوشجيّ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥.
(٢) الفاتحة (١) : ٦.
(٣) القلم (٦٨) : ٤.