وبالجملة ، قال به العلماء من أهل الإسلام ، وقالوا إنّه يجب الإيمان به لكونه ممّا نطق الشرع بوجوده ، وكاد وجوده أن يكون ضروريّا في الدين القويم ، فهو جسر ممدود على متن جهنّم أدقّ من الشعر ، وأحدّ من السّيف ، أي جسم كذلك ، وهو مع كونه ممّا نطق به الشرع لا امتناع فيه عقلا ، وما ذكره منكروه في امتناعه ، كما نقله الشارح القوشجيّ من القاضي عبد الجبّار وكثير من المعتزلة في ذلك ، مندفع بما أجابه هو عنه كما مضى ذكره.
والحاصل أنّ ما تمسّك به منكره من عدم إمكان العبور عليه ، وأنّ فيه تعذيبا للمارّين ولا عذاب على المؤمنين مندفع.
أمّا الأوّل : فلأنّ ذلك الجسر الممدود ، حيث كان جسما من أجسام الآخرة التي هي مخالفة بالحقيقة لأجسام الدّنيا ، وكانت أبدان المكلّفين المعادين وأقدامهم أيضا من جنس تلك الأجسام الأخرويّة ، فلا امتناع في أن يمرّوا بتلك الأقدام الأخرويّة على ذلك الجسر الممدود الأخرويّ ، وقياس ذلك على الأجسام الدّنيويّة من جهة عدم إمكان المرور بالأقدام الدّنيويّة على الجسم الكذائيّ الدّنيويّ قياس الغائب على الشّاهد ، ولا وجه له.
على أنّ ذلك في الدّنيا أيضا ليس بممتنع بالذّات ، بل هو ممتنع عاديّ ، وجاز في حكمة الله تعالى خرق العادة في كثير من الأمور لحكمة ومصلحة اقتضته ، وكما جاز ذلك في الدّنيا ، كذلك جاز في الآخرة أيضا على تقدير تسليم كون ذلك فيها ممتنعا عاديّا أيضا.
وأمّا الثاني ، فلأنّه إذا كان مرور المؤمنين والصّلحاء على ذلك الجسر كالبرق الخاطف ، أو كالرّيح الهابّة ، كما ورد في الخبر ، فمن أين يكون لهم فيه عذاب؟
نعم ، العذاب إنّما يكون لغير المؤمنين الذين يكون مرورهم عليه بصعوبة ومشقّة ، كما دلّ الخبر عليه أيضا ، ولا ضير فيه ، بل ربّما يمكن أن يكون من جملة الحكمة في وجود ذلك الجسر ، وتكليف هؤلاء بالمرور عليه تعذيبهم ، كالحكمة في وجود جهنّم وإدخالهم فيها.
وحيث عرفت ذلك ، فنقول : إنّ من أوّل الصراط الأخرويّ بالصّراط المستقيم