النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان الانحراف عنه أدنى انحراف ، والميل عنه إلى يمينه وشماله اللّتين هما كالخطوط حول ذلك الخط المستقيم التي أشار إليها صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك الحديث فقال : «ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله» وقوعا في الضّلالة ، كما يدلّ عليه التفرّق عن السّبيل في الآية ، وما ورد أنّ اليمين والشمال مضلّتان ، ودخولا في الشّرك والكفر ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) (١) ، كان بهذا الاعتبار أدقّ من الشعر ، وكأنّه ممدود على متن الضلالة والشّرك والكفر. وحيث كان في النّشأة الدّنيويّة بهذه الحالة والصّفة ، كان مظهره في النّشأة الأخرويّة ، أي ذلك الجسر بهذه الصّفة أيضا ، أي ممدودا على متن جهنّم التي هي مظهر الضّلالة والشّرك ، وأدقّ من الشّعر ، بحيث يكون الانحراف عنه أدنى انحراف وقوعا في جهنّم.
وكذلك أنّه حيث كان في النّشأة الدّنيويّة مع دقّته ومدّه على متن الشّرك والضّلال أحدّ من السّيف ، حيث إنّ الإكباب والسّقوط عليه موجب للهلاك ، كالهلاك بالسّيف الذي يوقع عليه ، كما قال تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢) ، كان مظهره في الآخرة أيضا كذلك ، حيث إنّ من لم يستقم عليه وخرّ على وجهه يكون ذلك سببا لهلاكه ، لسقوطه على ما هو أحدّ من السّيف ، كما ورد أنّ من وقف عليه شقّه بنصفين ، وكذلك أنّه حيث كان سلوكه والاستقامة عليه في الدّنيا سببا لدخول الجنّة ، كان الدّخول في الجنّة في الآخرة بحيث لا يحصل إلّا بالمرور على ذلك المظهر ، أي الجسر حتّى يدخل الجنّة ، فهو كما كان في الدّنيا طريقا إلى الجنّة كان في الآخرة أيضا كذلك ، لا يحصل الدّخول فيها إلّا بالمرور عليه ، وكان من جملة الحكم المتعالية في وجود ذلك الجسر ، وفي تكليف العباد بالمرور عليه أن يظهر أنّ أيّا منهم كان في الدّنيا مستقيما على الصّراط المستقيم ليثاب باستقامته الدّخول في الجنّة على تفاوت مراتب الاستقامة ، وأنّ أيّا منهم كان في الدّنيا منحرفا عنها أو مكبّا على وجهه ، ليعاقب بالدّخول في النّار على تفاوت مراتب الانحراف والإكباب.
__________________
(١) المؤمنون (٢٣) : ٧٤.
(٢) الملك (٦٧) : ٢٢.