من المعاني حقيقة وروحا وله صورة وقالب ، وقد يتعدّد الصور والقوالب لحقيقة واحدة ، وإنّما وضعت الألفاظ للحقائق والأرواح ، ولوجودها في القوالب يستعمل الألفاظ فيها على الحقيقة ، مثل القلم فإنّه وضع لآلة نقش الصور في الألواح من دون أن يعتبر فيها كونها من قصب أو حديد أو غير ذلك ، بل ولا أن يكون جسما ، ولا كون النّقش محسوسا أو معقولا ، ولا كون اللوح من قرطاس أو خشب ، بل مجرّد كونه منقوشا فيه ، وهذا حقيقة اللوح.
فكذلك الميزان موضوع لما يعرف به مقادير الأشياء ، وهذا معنى واحد هو حقيقته وروحه ، وله قوالب مختلفة وصور شتّى بعضها محسوس وبعضها معقول ، مثل ما يوزن به الأجرام والأثقال كذي الكفّتين ، وما يوزن به المواقيت والارتفاعات كالاصطرلاب ، وما يوزن به الدوائر والقسّي كالفرجار ، وما يوزن به الأعمدة كالشاقول ، وما يوزن به الخطوط كالمسطر ، وما يوزن به الشعر كالعروض ، وما يوزن به سائر العلوم كالمنطق ، وما يوزن به الكلّ كالعقل المستقيم.
وعلى هذا التحقيق يحتمل أن يقال : إنّ الميزان في الشرع للخواصّ من الناس المنطق ، والقوانين النظريّة التي يعرف بها الحقّ والباطل في الاعتقادات والأصول ، وللخواصّ والعوامّ جميعا في الأعمال والأفعال الأنبياء والأوصياء عليهالسلام ، إذ صحّة الفعل وفساده يتحقّق بالموافقة لأفعالهم وأقوالهم وعدمها ، انتهى.
وقال بعضهم : «إنّه قد ورد في الأحاديث أنّ الموازين القسط هم الأنبياء والأوصياء ، وأنّ أمير المؤمنين عليهالسلام هو الميزان ، فميزان كلّ أمّة هو نبيّ تلك الأمّة ووصيّ نبيّها» ، انتهى.
وقال ابن بابويه في «اعتقاداته» : «اعتقادنا في الحساب والميزان أنّهما حقّ ، منه ما يتولّاه الله عزوجل ومنه ما يتولّاه حججه ، فحساب الأنبياء والأئمّة عليهالسلام يتولّاه الله عزوجل ، ويتولّى كلّ نبيّ حساب أوصيائه ، ويتولّى الأوصياء حساب الأمم ، والله تبارك وتعالى هو الشهيد على الأنبياء والرّسل ، وهم الشهداء على الأوصياء ، والأئمّة شهداء على الناس ، وذلك قول الله عزوجل :