أو أنّه يوم القيامة يعرض أفعال العباد وعقائدهم على أفعالهم عليهالسلام وعقائدهم ، وتقاس هي عليها ، فما وافق أفعالهم وعقائدهم يحكم عليه بالرجحان والثقل ، وما خالفه يحكم عليه بخلافه كما هو الأظهر ، وبناء على أن يكون معنى الثقل والخفّة معنى عقليّا.
فعلى هذا التقدير لا منافاة أيضا ، إذ القائل بالميزان الحسّيّ لو رام الجمع أيضا ، أمكنه أن يقول : لا امتناع في أن يكون يوم القيامة نوعان من الميزان والمعيار ، يوزن بكلّ منهما الأعمال ويتميّز بهما صحّة الفعل وفساده : أحدهما الميزان الحسّيّ ، والآخر الأنبياء والأوصياء الذين يرجع كونهم ميزانا إلى الميزان العقليّ ، ولعلّ الحكمة في ذلك ـ والله أعلم ـ ظهور حسن أفعال العباد وقبحها أتمّ ظهور ، حيث إنّ تلك الأفعال توزن بميزان حسّيّ وعقليّ جميعا ، فيظهر ثقل ما ظهر ثقله بالميزان الحسّيّ بالميزان العقليّ أيضا ، وكذلك الخفّة.
وبالجملة ، يكون إلزام الحجّة عليهم أوكد وأتمّ.
وهذا كما أن من يقول بأنّ المراد بالموازين القسط هم الأنبياء والأوصياء نظرا إلى دلالة تلك الأخبار عليه ، لو رام القول بالميزان الحسّيّ أيضا والجمع بين الأخبار ، أمكنه ذلك بأحد من الوجهين المذكورين. والله أعلم بالصواب.
وحيث عرفت ذلك ، ظهر لك أنّ من قال بأنّ الموازين عبارة عن القضاء السويّ والحكم العادل ، إن أراد به القضاء السويّ والحكم العادل الذي يكون بالميزان الحسّيّ ، فلا مانع منه.
وكذا لو أراد به الحكم العادل الذي يحكم به الأنبياء والأوصياء عليهالسلام ، أو يحكم به الله تعالى أو الملائكة المقرّبون بإذن الله تعالى ، أو الحكم العدل الذي يكون هو بموافقة أفعال العباد لأفعال الحجج عليهالسلام ومخالفتها لها ، فلا مانع منه أيضا. وكيفما كان فلا يكون في هذا القول مخالفة لشيء من الأخبار ، بل على تقديره أيضا يمكن الجمع كما يعلم بالتأمّل فيما ذكرنا.
وأمّا من قال بأنّ المراد بالوزن وزن الأعمال ، وهو مقابلتها بالجزاء ، فهو بظاهره وإن كان يتراءى كونه معنى آخر غير ما ذكر ، إلّا أنّه بعد التأمّل يرجع إلى السابق أيضا ، لأنّ