حركات النفس واضطرابها يستلزم متابعة الهواء ، وهي مؤدّية إلى الهاوية ، فلذا قال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ* فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) (١).
وأيضا إن إبليس خلق من النار ، وآدم خلق من الطين ، كما قال تعالى : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٢) والنار خفيفة ، والطين ثقيل ، فلذا يقتضي أفعال إبليس الخفّة ، وأفعال آدم الثقل ، كما قال تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (٣) انتهى بمضمونه. (٤)
وأقول : وهذا التحقيق وإن كان متضمّنا للتأويل ، لكنّه تحقيق أنيق جامع بين ظاهر الشّرع وباطنه.
وحيث عرفت ذلك. فاعلم أنّ القول بالميزان بهذا المعنى الحسّيّ الجسمانيّ ، كأنّه لا ينافيه ما ورد في الأخبار الصحيحة أنّ الموازين هم الأنبياء والأوصياء عليهالسلام ، وأنّ أمير المؤمنين عليهالسلام هو الميزان ، إذ القائل بهذا القول لو رام القول بما تضمّنه تلك الأخبار أيضا ، وأراد الجمع بين الأخبار ، أمكنه أن يقول : لعلّ المتولّي لوزن الأعمال بذلك الميزان الحسّيّ هم الأنبياء والأوصياء عليهالسلام ، كما أنّهم هم المتولّون لحساب الأمم ، فلذلك أطلق عليهم عليهالسلام ، لفظ الميزان ، ويكون الإطلاق على نوع من المجاز.
وعلى تقدير أن يكون المراد بتلك الأخبار أنّهم عليهالسلام هم الميزان نفسه ، وأنّ ذواتهم المقدّسة ونفوسهم الشريفة هي المعيار لصحّة العمل وفساده ، كما هو الظاهر من تلك الأخبار ، بناء على أن يكون إطلاق الميزان عليهم عليهالسلام بنوع تجوّز كما هو الاحتمال ، أو على سبيل الحقيقة بناء على التحقيق الذي نقلناه من الغزاليّ وغيره ، وبناء على أن يكون معنى كونهم الميزان كما هو الاحتمال ، أنّهم يحكمون بعقولهم المقدّسة المستقيمة في النشأة الأخرويّة على بعض الأعمال والاعتقادات بالحسن والرّجحان ، وكذا بالثقل الذي هو دليل الرجحان ، وعلى بعضها بخلاف ذلك.
__________________
(١) القارعة (١٠١) : ٨ ـ ٩.
(٢) الأعراف (٧) : ١٢ ؛ ص (٣٨) : ٧٦.
(٣) الإسراء (١٧) : ٨٤.
(٤) المبدأ والمعاد / ٢٨.