«فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا» أي لا قيمة لهم عندنا ولا كرامة ، ولا نعتدّ بهم ، بل نستخفّ بهم ونعاقبهم. يقول العرب : ما لفلان عندنا وزن ، أي قدر ومنزلة ، ووصف الجاهل بأن لا وزن له لخفّته بسرعة طيشه في قلة تنبّه.
وروي في الصّحيح أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة» (١) ، انتهى.
ولا يخفى أنّ ذكره رحمهالله هذا الحديث في تفسير الآية كما فسّرها يؤيّد ما ذكرنا في معنى الحديث ، بل يدلّ عليه ، وإن ذكر بعضهم في الآية تفسيرا آخر ، وهو أنّه لا يقام للكافرين يوم القيامة ميزان ، لكون أعمالهم حابطة ، موافقا لما ورد في الأخبار : «إنّ أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ، ولا تنشر لهم الدّواوين ، وإنّما يحشرون إلى جهنّم زمرا ، وإنّما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام» رواه الكلينيّ رحمهالله في «روضة الكافي» عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام (٢).
ثمّ إنّه حيث كان الميزان ميزانا حسّيّا جسمانيّا ، كان ثقل الموازين ـ جمع ميزان أو موزون ـ وخفّتها ثقلا وخفّة حسّيّين أيضا ، وكان الثّقل دليلا على الرجحان ، والخفّة دليلا على خلافه ، كما أنّه في النشأة الدنيويّة كذلك.
وقد قال بعض أهل التحقيق ، كالمحقّق الطوسيّ رحمهالله في رسالة «المبدأ والمعاد» : «إنّ في ذلك إشارة إلى دقيقة هي أنّ أثر كلّ فعل يقتضي اطمينان الفاعل كالخيرات والأفعال الحسنة ، فنسبته إلى الثقل أولى ، وهذا كما أنّ المثقلات تحفظ السفن عن الاضطراب والحركات المختلفة ، وأثر كلّ فعل يقتضي تحيّر نفس الفاعل وتتبّع الأهواء المختلفة كالسّيّئات والشّرور فنسبته إلى الخفّة أولى ، حيث إنّ الجسم الخفيف يتحرّك بأدنى تغيّر يحدث في الهواء ويكون حركاته خالية عن الانتظام ، وكذلك اطمينان النفس يستلزم الرضا ، فلذا قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٣). واختلاف
__________________
(١) مجمع البيان ٦ / ٤٩٧ وفي لفظه : ... ويوصف الجاهل ... بسرعة بطشه وقلّة تثبّته ...
(٢) الكافي (الأصول والروضة) ١١ / ٤١٢ ـ ٤١٣ ، طبع الإسلامية.
(٣) القارعة (١٠١) : ٦ ـ ٧.