فإن قلت : إنّ الأخبار الدالّة على تجسيم الأعمال تدلّ على تجسيم أعمال المحسنين بصورة الحور والقصور والولدان ونحو ذلك ، وأعمال المسيئين بصورة الحيّات والعقارب والنيران ونحو ذلك ، فما معنى وزنها؟
قلت : لا امتناع في وزنها حتّى يظهر ثقلها أو خفّتها. مع أنّه يمكن أن تكون تلك الأعمال مع تجسّمها بتلك الصّور المذكورة متجسّمة حين الوزن بصور جسمانيّة أخرى مؤلمة أو ملذّة ، ويقع الوزن على تلك الأجسام الأخرى ، وتكون الأجسام الأولى والأخرى كلّها مظاهر لتلك الأعمال.
فإنّك قد عرفت فيما مضى أنّه يمكن أن يكون لحقيقة واحدة مظاهر متعدّدة ، على أنّه يمكن أن يكون الموزون بذلك الميزان الحسّيّ صحائف الأعمال لا نفس الأعمال ، أي أن يكون تلك الصّحائف الجسمانيّة من حيث كونها مشتملة على الأعمال المكتوبة فيها ، وكون ثقلها وخفّتها دليلا على ثقل الأعمال وخفّتها موزونة.
وأمّا القول بأنّه توزن الأشخاص ، فهو وإن كان يدفع هذا الإشكال أيضا ، إلّا أنّه خلاف الظاهر من الأخبار ، بل مستبعد جدّا ، فإنّ ثقل الأشخاص من حيث كونها أشخاصا وخفّتها ، كيف يكون دليلا على ثقل الأعمال وخفّتها اللّذين هما مناط الرجحان وعدمه ، وسبب الحكم على المكلّفين بالإساءة أو الإحسان.
اللهمّ إلّا أن يكون المراد بوزن الأشخاص وزن أعمالهم أو وزن صحائف أعمالهم ، فيرجع إلى السّابق. وكذا الحديث الذي نقله البيضاويّ (١) : «من أنّه روي عنه عليهالسلام ، أنّه قال : «ليأتي العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة» ، غير صريح ولا ظاهر في وزن الأشخاص ، فإنّه يمكن أن يكون معنى الحديث ـ والله أعلم ـ أنّه ليأتي العظيم السمين يوم القيامة لا قدر له عند الله تعالى بقدر جناح بعوضة ، لكونه ممّن لا عمل خير له ، ويؤيّده ما ذكره الشيخ الطبرسيّ رحمهالله في «مجمع البيان» في تفسير قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (٢). بهذه العبارة :
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ٣ / ٣.
(٢) الكهف (١٨) : ١٠٥.