وعلى هذين المعنيين ، فيكون المراد بالعقبات في الحديث العقوبات ، سواء حمل قوله عليهالسلام : «ألف عقبة» على هذا العدد المعيّن أو على كثرة ، إلّا أنّ في المعنى الثّاني شيئا ، وهو أنّ قطع تعلّق النّفس عن تلك المذكورات هو الموت ، فلا يبقى حينئذ عقبة أخرى غير الموت يكون هو أيسر العقبات وأهونها كما دلّ عليه الحديث.
وقال ابن بابويه رحمهالله في اعتقاداته بهذه العبارة : «باب في العقبات التي على طريق المحشر : اعتقادنا في ذلك أنّ هذه العقبات اسم كلّ عقبة منها اسم فرض وأمر ونهي ، فمتى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها اسم فرض وكان قد قصّر في ذلك الفرض ، حبس عندها وطولب بحقّ الله فيها ، فإن خرج فيه بعمل صالح قدّمه ، أو برحمة تداركه نجا منها إلى عقبة أخرى ، فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة ويحبس عند كلّ عقبه ، فيسأل عمّا قصّر فيه من معنى اسمها ، فإن سلم في جميعها انتهى إلى دار البقاء فيحيا حياة لا موت فيها أبدا ، وسعد سعادة لا شقاوة معها ، وسكن جوار الله مع أنبيائه وحججه والصّدّيقين والشهداء والصالحين من عباده. وإن حبس على عقبة فطولب بحق قصّر فيه فلم ينجه عمل صالح قدّمه ، ولا أدركته من الله رحمة ، زلّت به قدمه عن العقبة فهوى في جهنّم ، نعوذ بالله منها.
وهذه العقبات كلّها على الصراط ؛ اسم عقبة منها الولاية ، يوقف جميع الخلائق عندها فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام والأئمّة عليهالسلام ، فمن أتى بها نجا ، ومن لم يأت بها هوى ، وذلك قول الله عزوجل : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (١) ، واسم عقبة منها المرصاد ، وهو قول الله عزوجل : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (٢) ، وهو قول الله عزوجل «لا يجوزني ظلم ظالم». واسم عقبة منها الرّحم ، واسم عقبة منها الأمانة ، واسم عقبة منها الصلاة ، وباسم كلّ فرض أو أمر ونهي عقبة ، يحبس عندها العبد فيسأل» (٣) ، انتهى كلامه رحمهالله.
وأقول : وعلى ما ذكره رحمهالله ، فالعقبات محمولة على ظاهرها ، سواء حملت على الكثرة أو على العدد المعيّن. وتوجيهه على القول بتجسيم الأعمال والأوامر والنّواهي ظاهرة ،
__________________
(١) الصافّات (٣٧) : ٢٤.
(٢) الفجر (٨٩) : ١٤.
(٣) الاعتقادات للصدوق / ٨٧ و ٨٨.