بتفريط أو إفراط ، فإن كان ذلك على وجه مكابرة لأمر الله تعالى وجحود للحقّ فهؤلاء يلحقون بالكافرين ، لامتناع اجتماع الإذعان بالشّيء والجحود له. وإن لم يكن على وجه المكابرة والجحود ، بل إنّما هو من غلبة نفسه الأمّارة بالسوء وسلطان الشيطان الرجيم ، فإن غلبت حسناتهم سيّئاتهم ، بأن تكون أكثر منها وأفضل فتستولي عليها وتضمحلّ هي فيها محتها وأبطلتها ، لأنّ الحسنات يذهبن السيّئات ، أو بأنّ تركوا السيّئات بعد ذلك وذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ولم يصرّوا على ما فعلوا ، فأولئك يبدّل الله سيّئاتهم حسنات ، لأنّ التوبة والإنابة تنفّر منها وفرار وتباعد ، وقد تقدّم ـ فيما تقدّم ـ أنّ البعد من أحد المتقابلين ، لا يكون إلّا بالقرب من الآخر ، فمن هجر من الشّيطان والعصيان والنيران ، فقد تقرّب إلى الرحمن والرضوان والجنان ، فهذان الفريقان يلحقان بالمؤمنين المخلصين.
أو بأن اعترفوا بذنوبهم واستحيوا من الله تعالى لتقصيرهم ، وإن لم يكونوا تابوا بعد ، فهؤلاء أيضا قريب من السّابقين ، عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ، لأنّ الاعتراف بالذّنب والحياء لا يكون إلّا عن ندامة وأسف ، فلا يبعد أن يقوم مقام التوبة.
وإن غلبت سيّئاتهم حسناتهم بأحد الوجوه الثلاثة ، فهؤلاء مرجون لأمر الله إمّا يعذّبهم ، إن كان إيمانهم في غاية الضّعف ، بحيث تتأثّر نفوسهم من كلّ سيّئة وتهوى إليها وتلصق بها ، كالثّوب الخشن الذي يسرع إليه الدّرن ، وينفذ فيه الوسخ فيتقذّر سريعا.
أو كان إيمانهم قويّا إلّا أنّهم أصرّوا على السيّئات فرسخت بهم واشتدّ لصوقها بهم ، كمرآة صقيلة وقعت في طين مدّة طويلة ، فصدأت جدّا ، فهذان ـ لا محالة ـ محتاجان إلى تطهير شديد ومبالغة في التّغسيل والتصقيل بقدر الرسوخ ، وشدّة اللصوق ، وإمّا يتوب عليهم إن لم يكن الضعف ولا الرّسوخ بتلك المرتبة ، فيطهر بأدنى عناية في الغسل والمسح.
وبالجملة ، فهؤلاء ينجون آخرا لا محالة ، وإن تعذّبوا مدّة فيلحقون بالّذين غلبت حسناتهم ، لأنّ أصل الإيمان حسنة تغلب كلّ سيّئة ، لأنّ الاعتقاد يتعلّق بجوهر الرّوح والقلب ، والأخلاق والأفعال أشياء تلحق من خارج.
ويلحق بالمرجئين قوم من أهل العقول وحّدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد من دونه ،