لكنّهم في النبوّة أو في شيء من سائر الأصول على شكّ ، لا ينكرونه فيكونوا كافرين ، ولا يذعنوا له فيكونوا مؤمنين. إمّا بسبب شبهة عرضتهم ، كأكثر عوامّ المخالفين وضعفائهم. وإمّا لأنّ الدّعوة لم تبلغهم كقوم في أقاصي البلاد ، أو بلغتهم لكنّهم ليسوا من أولي الألباب المستقلّة في الهدى ، ولا يستطيعون الخروج إلى من يميّز لهم الحقّ من الرّدي ، كأكثر نسائهم وقصرائهم.
فهؤلاء إن كانوا بحيث لو أزيل عنهم الشّبهة ووصلوا إلى الحقّ آمنوا به ، فهم ممّن يدركهم النجاة ويكونون مع المؤمنين ، وإن كانوا حينئذ جحدوا الحقّ وأنكروه ، فممّن تخلّد في السجن ، وهؤلاء من حيث إبهام مآلهم يلحقون بالمؤمنين ، ومن حيث ضعف أحوالهم بالمستضعفين.
ويقرب من حال هؤلاء حال كثير من أهل الكفر والضّلال أيضا ، الذين وإن كانوا بالفعل منكرين ، إلّا أنّ ذلك ليس بعناد لهم وجحود في قلوبهم ، بل إنّما هو لاقتدائهم بقومهم وآبائهم والتباس الحقّ عليهم ، وضعفهم أو ضعف عقولهم من الاجتهاد في بلوغه ، فأمرهم أيضا موقوف حتّى يميّز الله الخبيث من الطيّب.
وإن تساوت حسناتهم وسيّئاتهم فهم أصحاب الأعراف ، وهو السّور الذي بين الجنّة والنار ، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، فأوّلا يترجّح لهم أحد الطرفين فلا محالة يترجّحون في الحدّ المشترك بينهما حتّى إن حصل لأحدهما رجحان من عفو وشفاعة أو سخط أو براءة يلحقون بأهله.
وأمّا غير المكلّفين المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فهؤلاء أيضا إن كانوا بحيث لو قوّوا وبلغوا التكليف آمنوا وأطاعوا ، فلهم في عالم البرزخ المتوسّط بين هذه النشأة الدنيا الخسيسة والنشأة العليا العقليّة ترقّيات في العقل والفهم كترقّي الصبيان في ذلك بحسب ترقّيهم في أبدانهم ونموّ أجسامهم يوما فيوما ، وإن لم يبلغوا بعد حدّ عقول الرجال واكتساب العلوم ، حتّى إذا كانت القيامة ، وامتاز الأخيار من الأشرار ، التحقوا في الجنّة بعشيرتهم وآبائهم من الأبرار ، وإن لم يكونوا يؤمنون بعد ذلك أيضا ، فيلحقون لا محالة بأشباههم وإن لم يشاركوهم في عذابهم.