معاندين ، بل منهم من اعتقد الكفر مع بذل المجهود ، ومنهم من بقي على الشكّ بعد إفراغ الوسع ، وختم الله على قلوبهم ولم يشرح صدورهم للإسلام ، فلم يهتدوا إلى حقيقته.
ولم ينقل عن أحد قبل المخالفين هذا الفرق الذي ذكره الجاحظ والعنبريّ. وقوله تعالى: (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) خطاب إلى أهل الدين لا إلى الخارجين من الدين.
وكذلك أطفال المشركين [عند الأكثرين] لدخولهم في العمومات. ولما روي من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : هم في النّار ، حين سألته خديجة رضي الله عنها عن حالهم.
وقالت المعتزلة وبعض الأشاعرة : لا يعذبون ، بل هم خدم أهل الجنّة. روي في الحديث : وإنّ تعذيب من لا جرم له ظلم.
وأمّا عذاب صاحب الكبيرة هل هو منقطع أم لا؟ فذهب أهل السنّة والإماميّة من الشيعة وطائفة من المعتزلة إلى أنّه ينقطع ، واختاره المصنّف. واحتجّ عليه : «بأنّ صاحب الكبيرة يستحقّ الثواب بإيمانه ، لقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (١) ولا شك أنّ الإيمان أعظم أعمال الخير. فإن استحقّ العقاب بالمعصية ، فإمّا أن يقدّم الثواب على العقاب ، وهو باطل بالاتّفاق ، أو بالعكس وهو المطلوب. وبأنّه لو لم ينقطع عذابه يلزم أنّه إذا عبد الله مكلّف مدّة عمره ثمّ عمل كبيرة في آخر عمره لا ينقطع عذابه وهو قبيح عقلا. والسمعيّات التي تمسّك بها المعتزلة في عدم انقطاع عذاب صاحب الكبيرة مثل قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (٢) ، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (٣) (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (٤) متأوّلة ، إمّا بتخصيص العمومات بالكفّار ، أو بحمل الخلود على المكث الطويل.
وأمّا قولهم إنّ الثواب والعقاب ينبغي أن يكونا دائمين لما تقدّم ، فإن أريد بدوام
__________________
(١) الزلزلة (٩٩) : ٧.
(٢) الجنّ (٧٢) : ٢٣.
(٣) النساء (٤) : ٩٣.
(٤) النساء (٤) : ١٤.