تلذّها. ولا أمكن تعطّلها من الفعل والانفعال وعناية الله واسعة وجانب الرحمة أرجح ، فلا محالة لها سعادة وهميّة من جنس ما تتصوّره ، وفي هذه الحالة لا عرية عن اللّذّة بالإطلاق ، ولذلك قيل نفوس الأطفال بين الجنّة والنار ، وأمّا النفوس العامّيّة التي تصوّرت المعقولات الأوّليّة ولم تكتسب شوقا إلى الحقائق النظريّة حتّى تتأذّى بفقدها تأذّيا نفسانيّا. سواء كانت تقيّة النفس عن معاصي الأفعال الشهويّة والغضبيّة أو فاجرة عاصية ، فالحكماء عن آخرهم لم يكتفوا بالقول عن معاد هذه النفوس ومن في درجتها ، إذ ليست لها درجة الارتقاء إلى عالم المفارقات ، ولا يصحّ القول برجوعها إلى أبدان الحيوانات ولا بفنائها لما علم.
فطائفة اضطرّوا إلى القول بأنّ نفوس البله والصلحاء والزهّاد تتعلّق في الهواء بجرم مركّب من بخار ودخان يكون موضوعا لتخيّلاتهم ليحصل لهم سعادة وهميّة ، وكذلك لبعض الأشقياء فيه شقاوة وهميّة ، وطائفة زيّفوا هذا القول في الجرم الدخانيّ ، وصوّبوه في الجرم السماويّ ، والشيخ الرئيس نقل هذا الرأي من بعض العلماء ووصفه بأنّه ممّن لا يجازف في الكلام ، والظاهر أنّه أبو نصر الفارابيّ ، واستحسنه قائلا : يشبه أن يكون ما قاله حقّا. وكذا صاحب (التلويحات) صوّبه واستحسنه في غير الأشقياء ، قال : «وأمّا الأشقياء فليست لهم قوّة الارتقاء إلى عالم أسماء ذوات نفوس نوريّة وأجرام شريفة (١) ، قال : والقساوة تخرجهم إلى التخيّل الجرميّ ، وليس بممتنع أن يكون تحت فلك القمر وفوق كرة النار جرم كريّ غير منخرق هو نوع بنفسه ، ويكون برزخا بين العالمين الأثيريّ والعنصريّ موضوعا لتخيّلاتهم ، فيتخيّلون من أعمالهم السيّئة مثلا من نيران وحيّات تلسع وعقارب تلدغ وزقّوم يشرب ، قال : بهذا يدفع ما بقي من شبهة أهل التناسخ» (٢) ، انتهى كلامه.
قلت : وعلى هذا أيضا تبقى المخالفة في الجملة بين ما ذكره المحقّق الطوسيّ وما
__________________
(١) شرح حكمة الإشراق / ٤٥٢ ـ ٤٥٤.
(٢) الشواهد الربوبيّة وفيه : ... فإذا كانت باقية ولم تترسّخ فيها رذيلة ... لا عريّة عن اللّذة بالإطلاق ولا نائلة لها بالإطلاق ولذلك قيل : ... لم يكشفوا بالقول عن معاد ... قال ... والقوّة يحوجهم إلى التخيّل ...