وبعضهم قال بأنّها تبقى متعلّقة بأجسام أخر بأن تكون نفسا لها وتصير مبادي صورة لها ، أي أنّها تتناسخ. والحاصل أنّ هذه المذاهب كلّها إنّما هي في النفوس الساذجة الشاملة بإطلاقها لنفوس البله والصبيان والمجانين ونحوهم.
وأمّا ما نقلنا من كلام صدر الأفاضل ، فصدره وإن كان موافقا نوع موافقة لكلام المحقّق الطوسيّ حيث ذكر أنّ خلاف القدماء من الحكماء إنّما هو في النفوس التي لم تخرج من القوّة إلى الفعل إذا حملنا النفوس التي لم تخرج من القوّة إلى الفعل على النفوس الساذجة ، إلّا أنّ عجزه كأنّه مخالف له حيث ذكر أنّ القول بالنسخ ونحوه من الفسخ والرسخ والمسخ إنّما هو في الأرواح السافلة ، وأنّ القول بالانتقال إلى عالم الأفلاك أو الأجرام الدخانيّة إنّما هو في الأرواح المتوسطة ، وأنّ تلك الأرواح إن كانت من نفوس الصلحاء والزهّاد تتعلّق بالأجرام السماويّة من غير أن تتصرّف فيها ، وإن كانت من نفوس الأشقياء تتعلّق بالأجرام الدخانيّة من غير أن تتصرّف فيها أيضا فإنّ المخالفة بيّنة ، لأنّه وإن أمكن حمل الأرواح السافلة على النفوس الساذجة ، إلّا أنّ حمل الأرواح المتوسطة على ذلك بعيد جدّا ، ومع هذا فالفرق بين الصلحاء والزهّاد من أصحاب النفوس المتوسطة وبين الأشقياء منهم غير بيّن من كلام المحقّق الطوسيّ ، إلّا أنّ ما ذكره صدر الأفاضل كأنّه موافق لما ذكره الفاضل الأحساويّ في «المجلى» من بعض الوجوه كما يعلم من مراجعة كلامه (١).
فإن قلت : لعلّ ما ذكره المحقّق الطوسيّ رحمهالله مذهب لبعض الحكماء وما ذكره صدر الأفاضل مذهب لبعض آخر ، يشهد بذلك ما ذكره صدر الأفاضل نفسه بعد بيان بطلان التناسخ في بيان أحوال النفوس الناقصة والمتوسّطة وسعادتها وشقاوتها المظنونتين على رأي الحكماء ، قال : «أمّا الناقصة الساذجة عن العلوم كلّها حتّى الأوّليات ، فقد مرّ اختلاف الحكماء فيها. والمنقول من إمام المشّائين على رواية اسكندر أنّها فاسدة ، وعلى رواية ثامسطيوس أنّها باقية ، فإذا ماتت ولم ترسخ فيها رذيلة نفسانيّة تعذّبها ولا فضيلة عقليّة
__________________
(١) المجلى / ٥٠٤ الطبعة الحجريّة.