الحيوان بها ولا هو بنفسه ولا تشتغل بالبدن فليست له علاقة مع البدن ، لأنّ العلاقة لم تكن إلّا بهذا النحو ، فلا يكون تناسخ بوجه من الوجوه ، وبهذا المقدار لمن أراد الاختصار كفاية بعد أنّ فيه كلاما طويلا (١) انتهى كلامه.
أقول : وبالله التوفيق ، يستفاد ممّا نقلنا من كلام الشيخ في «الإشارات» على ما ذكره المحقّق الطوسيّ رحمهالله في شرحه : «أنّ من قال بالتناسخ ونحوه إنّما قال به في النفوس الساذجة الخالية عن الكمال وعمّا يضادّه ، وهذا بإطلاقه يشمل نفوس البله والصبيان والمجانين وأمثالهم من أصحاب النفوس الساذجة ، وكأنّه حمل كلام الشيخ على ذلك ، لأنّ الشيخ وإن عنون الباب بالبله ، إلّا أنّه أراد بالبله أصحاب النفوس الساذجة مطلقا ، بقرينة أنّه قال قبل هذا الكلام المنقول عنه : «واعلم أنّ رذيلة النقصان إنّما يتأذّى بها النفس الشيّقة إلى الكمال ، وذلك الشوق تابع لتنبّه يفيده الاكتساب ، والبله بخسته من هذا العذاب وإنّما هو للجاحدين والمهملين والمعرضين عما ألمع به إليهم من الحقّ ، فالبلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء» حيث جعل البله مقابلا لهؤلاء ، فيشمل النفوس الساذجة مطلقا. فلذا قال المحقّق الطوسيّ في شرحه ثمة هكذا : «وأمّا أصحاب النفوس الساذجة فهم الّذين وسمهم الشيخ بالبله ، والأبله في اللغة هو الذي غلب عليه سلامة الصدر وقلّة الاهتمام ، ويقال عيش أبله : أي قليل الغموم ، وهؤلاء لا يتعذّبون لأنّهم غير عارفين بكمالاتهم غير مشتاقين إليها» (٢) انتهى.
وبالجملة ، فيستفاد من كلام المحقّق الطوسيّ في شرح كلام الشيخ أنّ القدماء من الحكماء اختلفوا في النفوس الساذجة بعد مفارقتها عن الأبدان ، فبعضهم قال : بأنّها تفنى ، وبعضهم بأنّها تبقى ، وإنّ القائلين ببقائها اختلفوا ، فبعضهم قال بأنّها تبقى متعلّقة بأجسام أخر ، بأن لا تصير مبادي صورة لها ولا تكون نفسا لها ، وتلك الأجسام إمّا أجرام سماويّة كما لبعض تلك النفوس ، وإمّا أجرام متولّدة من الهواء والأدخنة كما لبعض آخر منها ،
__________________
(١) الشفاء ، الطبيعيات / ٣٥٦ ، الفصل الرابع (أنّ النفس الإنسانيّة لا تفسد ولا تتناسخ) ، وفيه : ... النفس لها من ... وجد معه بدن فتعلّق بها بل عسى أن يكون عرضيه ... إذ أشخاص الأنواع ... الانطباع فيه كما ... بينهما هي علاقة ...
(٢) شرح الإشارات ٣ / ٣٥٣ ـ ٣٥٢.