يتخصّص اتّصاله بزمان دون زمان مع تساوي الأزمنة بالنسبة إليه ، وهو محال.
وهاهنا قد تمّت الحجّة الثانيّة. والشيخ أشار إلى هذه الأقسام بقوله : «ثمّ ابسط هذا» يعني البرهان الثاني ، وإلى الأصول المقتضية لفساد المحالات اللازمة المذكورة بقوله : «واستغن بما تجده في مواضع أخر لنا» (١) انتهى كلامه رحمهالله.
ثمّ إنّ الشيخ في «الشفاء» «في فصل في أنّ الأنفس الإنسانيّة لا تفسد ولا تتناسخ» ، بعد ما بيّن عدم طروء الفساد عليها كما نقلنا كلامه في ذلك في الأبواب السالفة. قال في بيان عدم جواز التناسخ عليها بهذه العبارة : «فقد أوضحنا أنّ النفس إنّما حدثت وتكثّرت مع تهيّؤ من الأبدان ، على أنّ تهيّؤ الأبدان يوجب أن يفيض وجود النفس عليها من العلل المفارقة ، وظهر من ذلك أنّ هذا لا يكون على سبيل الاتّفاق والبخت ، حتّى يكون وجود النفس الحادثة ليس لاستحقاق هذا المزاج نفسا حادثة مدبّرة ، ولكن قد كان وحدث النفس واتّفق أن وجد بدن فعلّقت ، فإنّ مثل هذا لا يكون علّة ذاتيّة البتة للتكثّر ، بل أن تكون عرضيّة.
وقد عرفنا أنّ العلل الذاتيّة هي التي يجب أن تكون أوّلا ثمّ ربّما تليه العرضيّة ، فإن كان كذلك وكلّ بدن يستحقّ مع حدوث مزاج مادّته حدوث نفس له ، وليس بدن يستحقّه وبدن لا يستحقّه ، إذ أشخاص النوع لا تختلف في الأمور التي بها تتقوّم ، وليس يجوز أن يكون بدن إنسانيّ يستحقّ نفسا يكمل به ، وبدن آخر وهو في حكم مزاجه بالنوع ولا يستحقّ ذلك ، بل إن اتّفق كان ، وإن لم يتّفق لم يكن ، فإنّ هذا حينئذ لا يكون من نوعه ؛ فإذا فرضنا أنّ نفسا تناسخها أبدان فكلّ بدن فإنّه بذاته يستحقّ نفسا تحدث له وتتعلّق به ، فيكون البدن الواحد فيه نفسان معا ، ثمّ العلاقة التي بين النفس والبدن ليس هو على سبيل الانطباع فيه كما بيّناه مرارا ، بل العلاقة التي بينهما علاقة الاشتغال من النفس بالبدن حتّى يشعر النفس بذلك البدن وينفعل البدن عن تلك النفس ، وكلّ حيوان فإنّه يستشعر نفسه نفسا واحدة حتّى المصرّفة والمدبّرة للبدن الذي له ، فإن كان هناك نفس أخرى لا يشعر
__________________
(١) شرح الإشارات ٣ / ٣٥٦ ـ ٣٥٩.