الغريبة لامتناع صورها عن ذلك ولعدم تطرّق القواسر إليها.
وكذلك ليست لهذه النفوس المفارقة عن أبدانها أبدان أخرى كما هو المفروض ليتصوّر بين تلك الأبدان وبين الأجرام العالية علاقة وضعيّة ، بسببها تصير هي لها كالمرآة الخارجيّة لتشاهد ما فيها من الصور والأشباح الخياليّة. ثمّ على تقدير تجويز كونها مرائي ، كيف يكون المثل التي هي تخيّلات الأفلاك عين تخيّلات هذه النفوس خصوصا الأشقياء منهم المعذّبون بها كما اعترفوا بأنّ الصور المؤلمة هي التي قد حصلت من هيآتهم الرديّة وعقائدهم الباطلة ، والحال أنّ الحاصل في الأجرام الفلكيّة لصفاء قوابلها وشرف مباديها ، ليس إلّا صورا نقيّة مطابقة للواقع ، فلا يستقيم ما قالوه ، خصوصا كون جرم فلكيّ ممّا يتعذّب به الأشقياء. وكما لم يجز ذلك في الجرم الفلكيّ فكذلك لا يجوز في جرم إبداعيّ غير منخرق منحصر نوعه في شخصه ، لأنّه مع كونه غير معلوم الوجود ، إن كان على ما تصوّروه ، فلا بدّ وأن يكون له طبيعة خامسة ممتنعة الحركة المستقيمة كالأفلاك ، فيكون حكمه حكمها ، سواء سمّي باسم الفلك أم لا ، وإن كان في حكم العناصر فيكون حكمه حكم الجرم الدّخانيّ ، ويكون المحال اللازم على تقديره مشتركا ، وهو أنّ ذلك الجرم الدّخانيّ أو ذلك الجرم الإبداعيّ سواء قيل بكونه موضوعا لتصوّرات نفوس الأشقياء فقط ، أو لتصوّرات نفوس الأشقياء والسعداء جميعا ، إن كان واحدا بالعدد كما هو ظاهر كلامهم في الأوّل ، وصريح كلامهم في الثاني. كيف يكون موضوعا لتخيّلات النفوس التي لا تتناهى إلى حدّ ، ولتصوّراتها الإدراكية الغير المتناهية؟ إذ لا أقلّ من أن يكون فيه بإزاء كلّ تعلق وتصوّر قوّة واستعداد غير ما بإزاء غيره ، فيحصل في جرم واحد بالعدد استعدادات غير متناهية مجتمعة ، وهذا معلوم الفساد. وإن كان متكثّرا بالعدد ، أعني أن يكون بإزاء كلّ نفس من تلك النفوس جرم دخانيّ أو إبداعيّ منفرد ، فهذا مع كونه خلاف ما ذهبوا إليه معلوم البطلان أيضا بالضرورة.
وأيضا فما ذكره الشيخ ، من أنّه يجوز أن يفضي بهؤلاء التعلّق المذكور آخر الأمر إلى الاستعداد أو للاتّصال المعدّ للعارفين ، منظور فيه ، لأنّ ذلك موقوف على أن يكون للنفس بعد المفارقة عن البدن اكتساب للعلوم الحقّة وتحصيل للمعارف حتّى تلحق بالعارفين