كلّ نفس بدنا على حدّة ، فإن استحقّ كلّ نفس بدنا ، يلزم أن يكون بإزاء فساد كلّ بدن كون بدن آخر ، وأن يكون عدد الأبدان الكائنة بعدد النفوس المفارقة ، وليس كذلك لأنّه ربّما يموت ألوف ألوف في يوم واحد لقتل أو وباء أو غير ذلك ، ويعلم بالضرورة أنّه لم يحدث من الأبدان ألوف ألوف ، وإن جاز أن يستحقّ نفوس بدنا واحدا ، فإمّا أن تتّصل به فيلزم أن يكون لبدن واحد نفوس وهو محال ، أو تتدافع فلا يتعلّق به فلا تتناسخ وقد فرضناه ، هذا خلف» انتهى كلامه (١).
وأقول : لا يخفى على المتأمّل المنصف أنّ التقرير المنطبق على كلام الشيخ هو ما ذكره صاحب «المحاكمات» دون تقريري الإمام والمحقّق الطوسيّ ، وأنّ إيراده عليهما ظاهر الورود. وأنّ المطلوب ـ وهو إبطال التناسخ ـ يتمّ على كلّ من التقريرات الثلاثة ، وأنّ ما أورده عليهما لا يقدح في تماميّة الحجّة على ذلك ، فلذا لم نتعرّض للتكلّم في دفع ما أورده عليهما ، وإن كان يمكن دفعه بعناية يطول الكلام ببيانها.
نعم ، ربّما أورد بعض المتأخّرين على ما تضمّنه كلام الشيخ من أنّه على القول بالتناسخ على بعض التقديرات ، يلزم أن يتّصل كلّ فناء بكون ، وأن يكون عدد الكائنات من الأبدان عدد ما يفارقها من النفوس ، وإنّه ليس كذلك ، وقد أخذه شارحوه كلّهم في تقريرهم للحجّة ، بأنّه إنّما يلزم ذلك لو كان التعلّق ببدن آخر لازما البتة وعلى الفور ، وأمّا إذا كان جائزا ـ ولو بعد حين ـ فلا ، لجواز أن لا ينتقل نفوس الهالكين الكثيرين أو ينتقل بعد حدوث الأبدان الكثيرة ، وما ذكر من التعطّل مع أنّه لا حجّة على بطلانه ، فليس بلازم ، لأنّ الابتهاج بالكمالات أو التألّم بالجهالات شغل.
وهذا الإيراد مندفع ، يظهر اندفاعه ممّا أشير إليه سابقا. وبيانه أنّ القائلين بالتناسخ ـ كما ذكره المحقّق الطوسيّ وصاحب «المحاكمات» فيما نقلناه عنهما وكذا غيرهما. ـ إنّما قالوا به لأجل امتناع التعطّل ، فكيف يقولون بجوازه؟ مع أنّ القول بجواز التعطّل في الوجود بديهيّ البطلان ، يحكم ببطلانه كلّ ذي فطرة سليمة ، وما ذكره من أنّ الابتهاج
__________________
(١) شرح الإشارات ٣ / ٣٥٨.