والاستغراق في تدبير البدن الآخر مانعا ، وطول العهد منسيا ، لا يخفى أنّه من قبيل الخرافات والأباطيل ، يشهد بذلك أنّه لو كان ما ذكره هذا القائل حقّا ، لكانت النفس في النشأة البرزخيّة والنشأة الأخرويّة لا تتذكّر شيئا من ذلك ، وقد ورد التنزيل وأخبار المخبرين الصادقين عليهمالسلام بخلافه.
والثاني : أي زوال تلك الفعليّة عنها وصيرورتها بالقوّة بالنسبة إليها محال أيضا ، إذ يلزم أن تكون تلك النفس قد حصلت لها فعليّة ما أوّلا ثمّ ترجع إلى القوّة المحضة والاستعداد الصرف ، أي أن تكون نفس تجاوزت درجة النبات والحيوان فرجعت قهقرى إلى المرتبة المنويّة وإلى مرتبة الجنين ، حيث إنّها في أوّل كونها وتعلّقها بالبدن بالقياس إلى كمالاتها بالقوّة المحضة ، وانقلاب ما بالفعل ـ من حيث هو بالفعل ـ إلى ما بالقوّة المحضة من حيث هو بالقوّة محال بالضرورة. وأمّا التمنّي الذي حكى الله سبحانه عن الأشقياء بقوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (١) فهو تمنّي أمر مستحيل. مثل التمنّي الذي حكاه تعالى عنهم بقوله : (نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ). (٢)
وبعبارة أخرى أنّا نعلم يقينا أنّه لا يبقى للنفس المستنسخة تلك الفعليّة ، بل تصير بالقوّة ، وصيرورة الفعليّة قوّة محال بالضرورة. وهذا البرهان على ما قرّرناه لا يخفى على المستبصر المسترشد أنّه برهان واضح تامّ على هذا المطلوب غير مبنيّ على حدوث النفس. وكذا هو كما أنّه جار في إبطال التناسخ جار أيضا في إبطال المسخ والرسخ والفسخ جميعا. بل ربّما يدّعي أنّ جريانه في ذلك أظهر منه فيه باعتبار حيث إنّ بقاء تلك الفعليّة للنفس المستنسخة المنتقلة إلى الجماد مثلا ، بل إلى النبات والحيوان أيضا ظاهر البطلان غاية الظهور ، لا يدّعي خلافه من له أدنى مسكة.
والقول بأنّه ربّما كانت تلك الفعليّة باقية لها في هذه الصور ، وأنّ النفس المستنسخة إلى الجماد أو إلى النبات أو إلى الحيوان ربّما كانت تتذكّر شيئا من أحوالها السابقة ، إلّا أنّا لا نعلم ذلك ولا نفهمه منها ، قول في غاية السقوط ، بل هو هذيان محض ، وكيف تكون
__________________
(١) النبأ (٧٨) : ٤٠.
(٢) الأعراف (٧) : ٥٣.