إن شاء الله تعالى الدليل على إثبات أصله ، ونبيّن أنّ للعقل استقلالا في أنّه يجب أن يعود النفس الإنسانيّة بعينها إلى بدنها الأوّل الباقي بعينه من حيث الأجزاء الأصليّة لأجل وقوع الثواب والعقاب البدنيّين الحسّيّين.
وإن كان المراد أنّ المعاد الجسمانيّ وإن كان ممّا يستقلّ العقل في إثبات أصله ، لكن لا استقلال له في إثبات ما ورد في الشرع من خصوصيّات الثواب والعقاب الحسّيّين الأخرويّين ، وكذا في خصوصيّات ما ورد فيه من الأمور الحسّيّة الواقعة في الآخرة ، وفي أنّه يجب أن يقع الثواب والعقاب البدنيّان على تلك الأنحاء والأنهاج والكيفيّات المخصوصة الواردة فيه ، بل إنّ إثبات ذلك موكول على الشرع كما هي مبيّنة فيه ، أي أنّ بيان تفاصيل تلك إنّما هو في الشرع ، وإن كان العلم بها من حيث الخصوصيّة والوجه الجزئيّ موقوفا على العيان والمشاهدة ، فهذا الاحتمال وإن كان له وجه في الجملة ، لكنّه خلاف ظاهر كلامهم ، بل هو بعيد عنه بمراحل.
ثمّ إنّ الحكماء الإلهيّين الذين أهملوا إثبات المعاد الجسمانيّ وقصروا النظر على إثبات الروحانيّ منه فقط ، لكون السعادة العقليّة أعظم من البدنيّة ؛
إن كان المراد أنّه حيث كانت السعادة العقليّة أعظم من البدنيّة ، وكانت البدنيّة مفروغا عنها في الشرع الشريف ، فلذلك أهمل الحكماء الإلهيّون إثبات الجسمانيّ ، وحاصله التصديق بالجسمانيّ من المعاد والروحانيّ منه جميعا ، إلّا أنّ الجسمانيّ منه لما كان مبيّنا في الشرع ، وكانت السعادة العقليّة أعظم ، فلذا تعرّضوا لإثبات الروحانيّ ، وأهملوا إثبات الجسمانيّ ، وأحالوا إثباته على الشرع كما فعله الشيخ ، فله وجه في الجملة إلّا أنّه خلاف ظواهر كلماتهم ، لأنّ حوالة إثبات الجسمانيّ منه على الشرع غير ظاهرة من كلماتهم المنقولة عنهم في ذلك ، كما نقلنا جملة منها في صدر الرسالة ، حتّى ممّا حكاه الشيخ هنا عنهم.
وإن كان المراد أنّهم تعرضوا لإثبات الروحانيّ وأهملوا إثبات الجسمانيّ مطلقا ، ولو على سبيل الحوالة على الشرع ، لكون السعادة العقليّة أعظم من البدنيّة كما هو ظاهر كلامهم ، ومنه ما حكاه الشيخ عنهم ، ففيه مخالفة للشرع ، لا من أجل إنكارهم للجسمانيّ ،