بعض المرضى للطعم الحلو وشهوتهم للطعوم الرديّة الكريهة بالذات ، وربّما لم تكرهه ولا تستلذّه أيضا ، كالخائف يجد الغلبة واللذّة فلا يستلذّها.
وما ذكره في الأصل الخامس هو بالحقيقة تفريع على ما ذكره في الأصل الأوّل أيضا من التقييد بالشعور ، وتنبيه على فائدة ذلك القيد في تعريف الألم ، بل تنبيه على فائدة ذلك القيد وقيد حصول ضدّ الكمال الذي هو بالقياس إليه كمال جميعا في تعريف الألم ، حيث ظهر فيه أنّ المعتبر في الألم هو الشعور بحصول ضدّ ما هو الكمال بالقياس إليه ، وهذا ظاهر في المثال الذي ذكره أوّلا وثالثا ، ويظهر منه في مثاله الثاني أنّ ذلك تنبيه على فائدة ذلك القيد أو ذينك القيدين في تعريف اللذّة والألم جميعا. وكيفما كان ، فهو تنبيه على أنّه قد يكون القوّة الدرّاكة ممنوّة لضدّ ما هو كمال لها ، لكن لا تحسّ به ولا تتنفّر عنه ولا تتألّم منه لحصول عائق عن ذلك ، حتّى إذا زال العائق ورجعت إلى غريزتها تأذّت به وتألّمت ، مثل الممرور فإنّه ربّما لم يحسّ بمرارة فمه إلى أن يصلح مزاجه ويستنقي أعضاءه ، فحينئذ تنفر عن الحالة العارضة له. وكذلك قد يكون الحيوان غير مشته للغذاء البتة بل كارها له ، وهو أوفق شيء له ويبقى عليه مدّة طويلة فلا يلتذّ بالغذاء ، فإذا زال العائق عاد إلى واجبة في طبعه واشتدّ جوعه وشهوته للغذاء ، فيتألّم من فقدان الغذاء حتّى لا يصبر عنه ويهلك عند فقدانه ، وقد يحصل سبب الألم العظيم ، مثل إحراق النار وتبريد الزمهرير ، إلّا أنّ الحسّ مئوف فلا يتأذّى البدن به ولا يتألّم حتّى تزول الآفة فيحسّ حينئذ بالألم العظيم.
والحاصل أنّه بتلك القيود التي اعتبرت في ماهيّة اللذّة والألم ، لا يرد نقض لا على تعريف اللذّة ولا على تعريف الألم. وقد زاد في «الإشارات» في البيان ، وزاد قيدا آخر به يندفع النقوض عن تعريف اللذّة والألم.
قال : «تنبيه ، إذا أردنا أن نستظهر في البيان مع غناء ما سلف عنه إذا لطف لفهمه ، زدنا فقلنا : إنّ اللذّة هي إدراك كذا من حيث هو كذا ولا شاغل ولا مضادّ للمدرك ، فإنّه إذا لم يكن سالما فارغا أمكن أن لا يشعر بالشرط ، أمّا غير السالم فمثل عليل المعدة إذا زال مانعه عادت لذّته وشهوته وتأذّى بتأخّر ما هو الآن يكرهه.