فنقول : قال الشيخ في الشفاء : «إنّ النفس الإنسانيّة لم تكن مفارقة (١) للأبدان ثمّ حصلت في البدن ، لأن الأنفس الإنسانيّة متّفقة في النوع والمعنى ، وإذا فرض أنّ لها وجودا ما ليس حادثا مع حدوث الأبدان ، بل هو وجود مفرد ، لم يجز أن تكون النفس في ذلك (٢) متكثّرة ، وذلك لأنّ تكثّر (٣) الأشياء إمّا أن يكون من جهة الماهيّة والصورة ، وإمّا أن يكون من جهة النسبة إلى العنصر والمادّة المتكثّرة ممّا (٤) يتكثّر به من الأمكنة التي تشتمل على كلّ مادّة في جهة ، والأزمنة التي تختصّ بكلّ واحد منها في حدوثه ، والعلل القاسمة إيّاها ، وليست مغايرة بالماهيّة والصورة ، لأنّ صورتها واحدة ، فإذن إنّما تتغاير من جهة قابل الماهيّة ، المنسوب إليه الماهيّة بالاختصاص ، وهذا هو البدن.
وأمّا إذا أمكن أن تكون النفس موجودة ولا بدن ، فليس يمكن أن يغاير نفس نفسا بالعدد. وهذا مطلق في كلّ شيء فإنّ الأشياء التي ذواتها معان فقط وقد تكثّر نوعيّاتها بأشخاصها ، فإنّما تكثّرها بالحوامل والقوابل والمنفعلات عنها أو ما بنسبة ما (٥) إليها ، وإلى أزمنتها فقط ، وإذا كانت مجرّدة أصلا لم تتفرّق ممّا قلنا (٦) فمحال أن تكون ، ولا بينها مغايرة وتكثّر ، فقد بطل أن تكون (٧) النفس قبل دخولها الأبدان متكثّرة الذات بالعدد.
وأقول : لا يجوز أن تكون واحدة الذّات بالعدد ، لأنّه إذا حصل بدنان ، حصل في البدنين نفسان ، فإمّا أن تكونا قسمي النفس الواحدة (٨) ، فيكون الشيء الواحد الذي ليس له عظم وحجم منقسما بالقوّة ، وهذا ظاهر البطلان بالأصول المتقرّرة (٩) في الطبيعيّات
__________________
(١) في المصدر : لم يكن قائمة مفارقة.
(٢) في المصدر : في ذلك الوجود.
(٣) في المصدر : لأنّ كثرة.
(٤) في المصدر : بما.
(٥) في المصدر : أو بنسبة ما.
(٦) في المصدر : بما قلنا.
(٧) في المصدر : أن تكون بينها مغايرة وكثرة ، فقد يكون أن يكون.
(٨) في المصدر : فإمّا أن تكونا قسمي تلك النفس الواحدة.
(٩) في المصدر : بالأصول المقرّرة.