المهملون. وكلّ هؤلاء الأصناف أيضا مختلفون في التعذّب بحسب اختلاف مراتب الجحود والإعراض والإهمال.
وحيث كان المفروض في الكلّ التعذّب دائما ، يجب أن تكون تلك الحالة الطارئة على القوّة النظريّة التي هي سبب لقصورها ونقصانها ولتألّمها وتعذّبها حالة مستحكمة مستمرّة راسخة ، صارت هي صورة لجوهر النفس باقية ببقائها ، إلّا لم يكن التعذّب دائما ، بل يمكن أن يكون ذلك الشقاء الذي بسببها منقطعا منجبرا بزوال تلك الحالة شيئا فشيئا ، ويشهد بما ذكرناه ما ذكره المحقّق الطوسيّ (ره) في شرح كلام الشيخ في «الإشارات».
قال الشيخ : «ثمّ اعلم أنّ ما كان من رذيلة النفس من جنس نقصان الاستعداد للكمال الذي يرجى بعد المفارقة فهو غير مجبور ، وما كان بسبب غواش غريبة فيزول ولا يدوم بها التعذّب». (١)
وقال المحقّق الطوسيّ في شرحه هكذا : «يريد بيان مراتب الأشقياء ؛ ونقدّم لذلك مقدّمة ، وهي أن نقول : فوات كمالات النفس يكون لا محالة لعدم استعدادها ، وعدم الاستعداد يكون إمّا لأمر عدميّ ، كنقصان غريزة العقل ، أو وجوديّ ، كوجود الأمور المضادّة للكمالات فيها ، وهي إمّا راسخة ، أو غير راسخة ، فهذه أقسام ثلاثة تشترك في كونها رذائل وهي أسباب النقصان ، وكلّ واحد منها إمّا بحسب القوّة النظريّة ، وإمّا بحسب القوّة العمليّة فتصير ستّة. فالذي يكون بسبب نقصان الغريزة بحسب القوّتين معا فهو غير مجبور بعد الموت ، ولا يكون بسببها تعذّب ، وهو الذي ذكره الشيخ. والذي يكون بحسب القوّة النظريّة ويكون راسخا فهو أيضا غير مجبور ، لكن يدوم بها التعذيب (٢) ، لأنّه الجهل المركّب المضادّ لليقين ، الذي صار صورة للنفس غير مفارقة عنه. والشيخ لم يتعرّض لذكر هذا القسم صريحا في هذا الفصل ، لكنّه أيضا بوجه تحت النقصان ، الذي حكم الشيخ عليه بأنه غير مجبور ، والثلاثة الباقية ، أعني النظريّة غير الراسخة ، كاعتقادات العوامّ والمقلّدة ، والعمليّة الراسخة وغير الراسخة ، كالأخلاق والملكات الرديّة المستحكمة
__________________
(١) شرح الإشارات ٣ / ٣٥٠.
(٢) في المصدر : ... يدوم به التعذّب.