يمكن زواله ، إلّا أنّه يمكن أن يخلف وينوب عنه مبدأ آخر ، وهذا بخلاف الهيئة الرديّة الحاصلة من جهة فساد الجزء العمليّ كما عرفت بيان حالها.
فإن قلت : إنّ ما أشعر به كلام الشيخ ثمّة ، ودلّ عليه ما نقلنا من كلام المحقّق الطوسيّ صريحا من الحكم بزوال اعتقادات العوامّ والمقلّدة عن النفس ، وعدم خلود الشقاء بسببها للنفس ، كيف يجتمع مع ما نطق به الشرع وأجمع عليه أهل الحقّ من خلود الكافرين والمشركين ونظرائهم في النار ، والحال أنّ أكثرهم عوامّ ومقلّدة ، كانوا يقلّدون آباءهم ورؤساءهم في الكفر والشرك والجحود.
قلت : لعلّ من نطق الشرع الشريف بخلودهم في النار من العوامّ والمقلّدة منهم محمول على من حصل له اعتقاد راسخ في الكفر والشرك والجحود ، وإن كان مبدأ حصول ذلك الاعتقاد تقليدا أو أمرا آخر من الأمور الخسيسة والأعراض الدنيويّة ، بخلاف من دلّ كلام الشيخ والمحقّق الطوسيّ (ره) على عدم خلودهم ، فإنّه محمول على من لم يحصّل ذلك الاعتقاد الراسخ.
فإن قلت : إنّ من هؤلاء من لم يحصّل ذلك الاعتقاد الراسخ واتّبع ظنّه ، بل هوى نفسه أيضا ، وقد نطق الشرع بخلودهم في النار ، كما قال تعالى في شأن بعض المشركين : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى). (١)
قلت : لعلّ المراد بهؤلاء أيضا من حصل له ذلك الاعتقاد الراسخ أيضا كما دلّ عليه قوله تعالى (إِنْ يَتَّبِعُونَ ...) وإن كان مبدأ ذلك الاعتقاد نوع ظنّ أو هوى نفسانيّ أو تقليد الآباء ، وأنّهم بذلك الاتّباع المبنيّ على حصول الاعتقاد الراسخ لهم في الشرك ، خصوصا مع قيام الحجّة ووضوح الدليل على خلافه ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) (٢) مخلّدون في النار.
وبالجملة فما تضمّنه كلام الشيخ والمحقّق الطوسيّ من الحكم بزوال اعتقادات
__________________
(١) النجم (٥٣) : ٢٣.
(٢) نفس الآية.