وبالجملة : لو جعل المناط في كون العرض ذاتيّا كونه متعلّقا بنفس الذات أو بعض ذاتيّاتها ولو بالواسطة لزم إدراج ذلك في الأعراض الذاتيّة ، بل جرى ذلك في جميع ما يعرض الأنواع ، إذ عروض كلّ عارض إنّما يكون لاستعداد حاصل في نفس الذات أو ذاتيّاته بلا واسطة أو مع الواسطة ، فلا يبقى هناك عرض غريب لشيء من الأنواع وهو خلاف الواقع ، وما نصّوا عليه وإن جعل المناط فيه كون العروض لاستعداد حاصل في ذات المعروض من حيث كونها ذاتا مخصوصة سواء كان بلا واسطة أو معها ، فكما يخرج عنه حينئذ ما يكون عروضه لأمر خارج عامّ كذا يخرج ما يكون لأمر داخل عامّ من غير فرق أصلا ، فظهر من ذلك أنّ ما بنوا عليه من الفرق بين الأمرين غير متّجه.
فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ العرض الذاتي ما يكون عارضا للشيء لنفس ذاته من غير واسطة في العروض أو لأمر مساو للذات ، سواء كان داخلا في الذات أو خارجا عنها كما نصّ عليه جماعة من محقّقي المتأخّرين ، فيكون حينئذ كلّ من العوارض الذاتية والغريبة أقساما ثلاثة ، والواسطة الملحوظة في المقام إنّما هي الواسطة في العروض دون الثبوت ، فما ذكره بعض الأجلّة وحكاه عن التفتازاني في شرح الرسالة ـ من أنّ المقصود بها الواسطة في الثبوت ـ فاسد ، كما عرفت تفصيل الحال فيه ممّا قرّرنا.
ثالثها : أنّ تفسير الموضوع بالمعنى المذكور لا يكاد ينطبق على شيء من موضوعات العلوم من وجهين :
الأوّل : أنّه ما من علم إلّا ويبحث فيه عن الأحوال اللاحقة للأنواع الواقعة تحت موضوعه أو الأصناف المندرجة فيه ، وقد نصّوا على أنّ الموضوع في مسائل الفنون إمّا أجزاء الموضوع ، أو جزئياته ، أو عوارضه الذاتيّة ، والعوارض الخاصّة اللاحقة للجزئيات ليست أعراضا ذاتيّة بالنسبة إلى موضوع العلم ، إذ ليس عروضها لذات الموضوع ولا لأمر مساو له على ما اخترناه ، ولا لذاتيّ أعمّ أيضا على ما ذكروه ، بل إنّما يكون لأمر أخصّ ، وإلّا لما اختصّ بالنوع أو الصنف المفروض.