وقد اعترف بذلك الفاضل المذكور بالنسبة إلى الكتاب ، نظرا إلى أنّ الظاهر أنّ الله تعالى يريد من جميع الامّة فهمه والتدبّر فيه والعمل به ، وقال : إنّ ذلك طريقة أهل العرف في تأليف الكتب وإرسال المكاتيب والرسائل إلى البلاد النائية ، ومن البيّن أنّ هذا الوجه بعينه جار في سائر الروايات والأخبار الواردة بعد فرض حجّيتها ووجوب العمل بمضمونها ؛ إذ هو الطريق في استنباط المطالب من الألفاظ.
وبالجملة : أنّ جواز العمل بالظواهر اللفظية ممّا قام عليه إجماع الفرقة من قدمائها ومتأخّريها ومجتهدها وأخباريها ، بل الظاهر إجماع الامّة عليه على مذاهبها المتشعّبة وآرائها المتفرّقة ، وقد حكى الإجماع عليه جماعة من الأجلّة حتى أنّه قد صار عندهم من المشهورات المسلّمات حجّية الظنّ في الموضوعات ، يعنون بها الموضوعات اللفظيّة ، إذ سائر الموضوعات يعتبر فيها القطع أو الأخذ بالطرق الخاصّة المقرّرة في الشريعة.
فما ادّعاه الفاضل المذكور من الفرق بين الصورتين وقصره مورد الإجماع على الأوّل من الوجهين المذكورين بيّن الفساد (١).
نعم ، غاية الأمر المناقشة في إجراء الوجه المتقدّم في الأخير ، إذ قد يتأمّل في جريان طريقة أهل اللسان عليه ؛ إذ القدر الثابت من طريقتهم جريان ذلك بالنسبة إلى المتخاطبين دون غيرهما إذ المدار في التفهيم والتفهّم على فهمهما.
وأمّا ما ذكرناه من الإجماع فهو جار في المقام قطعا ، فليس حجّية الظنّ المذكور محلّ كلام أصلا بل هو من الظنون الخاصّة الّتي دلّ على حجّيتها إجماع الامّة.
على أنّه لا يبعد القول بجريان طريقة الناس في العادات على ذلك أيضا ،
__________________
(١) ومن الغريب ما صدر عن الفاضل المذكور من حمل الموضوعات هنا على موضوعات الأحكام سواء كانت من الألفاظ أو غيرها ، فجعل حجّية الظنّ فيها موردا للإجماع إلّا أنّه قصر الحكم بحجّية الظنّ المتعلّق للموضوعات اللفظية على الظنّ الحاصل للمخاطبين ، وقد عرفت وهن كلّ من إطلاقه وتقييده. (منه رحمهالله).