كما يظهر من ملاحظة تفاسيرهم للأشعار والعبارات المنقولة عن السلف ، وكذا الحال في المكاتيب المرسومة والوصايا المكتوبة في الدفاتر ونحوها وإن كان المخاطب بها خصوص بعض الأشخاص ، فإنّهم لا زالوا يفسرونها على مقتضى قانون اللغة وقواعد العربية ويحكمون بإرادة ما يظهر منها بمقتضى الاصول المقرّرة.
وبالجملة : لا نجد منهم فرقا بين المتخاطبين وغيرهما في حمل العبائر على ظواهرها وإجراء أحكامها عليها ، بل نجدهم مطبقين على الحكم بها من غير فرق بين المقامين ، وقد أشار غير واحد منهم إليه ونبّه على جريان الطريقة عليه.
بقي الكلام في أنّ الأصل المذكور هل يناط بوضع اللفظ فلا نخرج عن مقتضاه إلّا بعد قيام الدليل على الخروج عنه ، أو أنّه إنّما يدور مدار الظنّ فلا يصحّ البناء عليه بعد انتفاء المظنّة بالمراد ولو من غير حجّة شرعيّة صالحة للاعتماد؟ كما إذا عارض القياس أو الاستحسان إطلاق الخبر الصحيح وقضى الظنّ الحاصل من ذلك بانتفاء الظنّ بإرادة الظاهر من العبارة ، فحصل الشكّ بعد تصادمهما أو غلب الظنّ الحاصل من الجهة الاخرى.
وكذا الحال ما لو دلّ خبر ضعيف على تخصيص العامّ وحصل الشكّ في صدق الخبر وكذبه ، فإنّ الشكّ في ذلك قاض بالشكّ في البناء على العامّ.
بل وكذا ما لو شكّ في ورود مخصّص للعامّ لم يصل الينا [كما](١) إذا كان هناك من الشواهد ما يقضي بالشكّ المذكور فيتساوى احتمال وجوده وعدمه.
وبالجملة : أنّه لا يبنى على حمل اللفظ على ما يقتضيه الوضع إلّا مع حصول الظنّ بإرادة الموضوع له وانتفاء ما يقضي بالشكّ في إرادته ، نظرا إلى أنّ الحجّة في المقام هو الظنّ الحاصل من ذلك فإذا فرض انتفاء المظنّة لم ينهض حجّة ، فالامور المذكورة وإن لم تكن حجّة إلّا أنّها مانعة عن الاستناد إلى الحجّة مسقطة لها عن الحجّية.
وقد نبّه على ذلك بعض أفاضل المتأخّرين حيث قال : إنّ أصالة الحقيقة لم
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من المطبوع (١).