وضع له ؛ فانّ الالتفات إلى الأمر المصحّح أمر لازم على كلّ حال سواء كان الاستعمال على سبيل الحقيقة أو المجاز فكما أنّه يجب الالتفات إلى العلاقة في المجاز فكذا يجب الالتفات إلى الوضع في الحقائق ، فأصالة عدم الالتفات في الأوّل معارضة بأصالة عدمها في الثاني فيتساقطان ويبقى أصالة عدم الوضع بلا معارض.
ويرد عليه : أنّ اللازم في المجاز الالتفات إلى العلاقة وإلى المعنى الحقيقي والوضع المتعلّق به ؛ لتوقّف المجاز على ذلك كلّه ، بخلاف المعنى الحقيقي ؛ إذ لا يتوقّف إلّا على ملاحظة الوضع له ، فملاحظة الوضع بإزاء المعنى الحقيقي معتبرة في كلّ من الحقيقة والمجاز ، ويزيد المجاز عليه بتينك الملاحظتين ، بل وبملاحظة اخرى ثالثة وهو الوضع الترخيصي الحاصل فيه المجوّز لاستعماله في ذلك مع العلاقة ، والأصل عدم ذلك كلّه.
فالأولى في الجواب أن يقال : إنّ الكلام في ثبوت وضع اللفظ وعدمه ولا ريب أنّ قضيّة الأصل عدمه وليس في المجاز ما يعارض ذلك في هذا المقام وتوقّف صحّة التجوّز على امور عديدة لا يقضي بانقلاب الأصل في المقام ، كيف! ولو صحّ ذلك لكان أصل العدم مثبتا للوضع وهو واضح الفساد ؛ لكونه إذن من الاصول المثبتة ، ولا مجال لتوهّم جواز الاستناد إليها في الإثبات.
فإن قلت : إنّ أصالة عدم الوضع للمعنى المفروض قاض بلزوم اعتبار الامور المذكورة في الاستعمال فيكون ذلك أيضا من الاصول المثبتة ، فكيف يصحّ الاستناد إليها؟
قلت : إنّ اعتبار الامور المذكورة ممّا يتفرّع على عدم الوضع الثابت بالأصل ، فإنّه بعد البناء عليه بحكم الأصل يتوقّف صحّة الاستعمال على المصحّح ، فلا بدّ إذن من ملاحظة الامور المذكورة ، بخلاف وضع اللفظ للمعنى فإنّه لا يتفرّع على عدم ملاحظة تلك الامور حال الاستعمال لو أثبتناه بالأصل ؛ إذ ذلك إذن من فروع الوضع وليس الوضع فرعا عليه ، فلا وجه لإثبات وجود الأصل من جهة أصالة