ثمّ إنّ ما ذكر من عدم انصراف الألفاظ المذكورة في الأمثلة المفروضة الى الصحيحة مع الخلوّ عن القرينة ممنوع ، بل الظاهر خلافه.
توضيح ذلك : أنّ الصلاة مثلا إنّما وضعت للأفعال المعهودة المتكرّرة في اليوم والليلة المطابقة لأمره تعالى ، لكن حصل هناك اختلاف في تعيين مصداقها فهو في كلّ من المذاهب والآراء شيء غير ما يقوله الآخر ، بل العاملون على مذهب واحد يختلف الحال فيهم من جهة المعرفة بالأحكام وتأدية القراءة والأذكار الواجبة وغيرها ، كما يشاهد ذلك في صلوات العوام ، إذ كلّ يعتقد أنّ ما يؤدّيه مصداق لتلك الماهيّة الصحيحة المطلوبة لله تعالى مع ما بينها من الاختلاف الفاحش ، بل لا يبعد القول بكون اختلاف صلاة اليهود والنصارى للصلاة الثابتة عندنا من هذا القبيل أيضا ، كما مرّت الإشارة اليه ، فإنّ المفهوم الإجمالي الملحوظ في وضع الصلاة صادق عليها أيضا حال صحّتها ، غير أنّ النسخ الطارئ عليها أخرجها من ذلك المفهوم من جهة طريان الفساد عليها وارتفاع الأمر بها ، فلفظة «الصلاة» مستعملة في معنى واحد وكلّ يطلقها على المصداق الثابت عنده لاعتقاد مطابقته لتلك الطبيعة ، وإطلاق كلّ من الفرق تلك على ما هو باطل عنده صحيح عند غيره يصحّ من جهة تبعيّته له ، كما أنّه يصحّ التبعية في الوضع من غير لزوم تجوّز ليصحّ بملاحظة ذلك إطلاق الصلاة على الصحيحة عندنا وعلى الصحيحة عند سائر الفرق من المخالفين كالنواصب والخوارج بل واليهود والنصارى ، إلّا أنّ صدقها على الواقعة من الفرقة المحقّة المطابقة لأمره تعالى واقعي وعلى غيرها من جهة التبعيّة لمعتقده.
وكذا الحال في كلّ فرقة بالنسبة الى ما يعتقده ذلك فإنّ إطلاق اللفظ عليه بملاحظة الواقع وعلى ما يعتقده غيره من جهة تبعيّته له من غير لزوم تجوّز في اللفظ ؛ إذ المفروض استعماله فيما وضع له ـ أعني تلك العبادة الصحيحة ـ وإطلاقه على المصداق المعيّن من جهة حصولها فيه واقعا أو في اعتقاد عاملها تبعا لما يعتقده ، وهذه التبعيّة وإن كانت خلاف الظاهر أيضا إلّا أنّ في الأمثلة المذكورة