ويومئ الى ما قلناه أنّه يقال : إنّ المخالفين يأتون بالعبادات ويؤدّون الواجبات ويواظبون على السنن مع أنّ العبادة والواجب والسنّة ليست إلّا الصحيحة ، فقد اطلق المذكورات على خصوص ما يعتقدونه كذلك ، فاللفظ في تلك الإطلاقات قد استعمل في معناه الموضوع له ـ أعني العبادة المخصوصة الصحيحة وإنّما اطلقت على المصداق المخصوص تبعا لاعتقاد عاملها كونه مصداقا لها ـ وذلك لا يقضي بتجوّز في المقام كما لا تجوّز فيما إذا استعمل اللفظ في غير الموضوع له عنده تبعا للوضع الثابت في عرف آخر ، غاية الأمر أنّ فيه مخالفة للظاهر ، وتكفي النسبة المذكورة شاهدة عليه حسب ما عرفت.
وممّا يشهد على ما ذكرنا أنّه يصحّ سلب الصلاة الحقيقية عن تلك الأعمال الفاسدة وأن يقال : إنّها ليست بصلاة أتى بها الشرع وليست من الماهية المجعولة في الشريعة ، ومن البيّن أنّ القائل بالوضع للأعمّ يقول بكون الأعمّ هي الصلاة المجعولة المقرّرة من الشارع ، ويقول بكون المستعمل فيه للفظ الصلاة والموضوع لفظها بإزائه (١) هو ذلك ، لنصّه على كون المعنى الشرعي قابلا للصحّة والفساد ، وكون المقرّر من الشرع قدرا جامعا بين القسمين وإن لم يقل بكونها مطلوبة كذلك.
ومن غريب الكلام ما وجدته في كلام بعض الأعلام حيث إنّه بعد ما نفى الريب عن كون الماهيات المحدثة امورا مخترعة من الشرع قال : «ولا شكّ أنّ ما أحدثه الشارع متّصف بالصحّة لا غير ، بمعنى أنّه بحيث لو أتى به على ما اخترعه يكون موجبا للامتثال للأمر بالماهية من حيث إنّه أمر بالماهية» ونصّ أيضا على أنّه : إذا وضع الشارع اسما لهذه المركّبات أو استعمله فيها لمناسبة فهو يريد تلك الماهية على الوجه الصحيح بالمعنى المذكور. وبعد ذلك كلّه ذهب الى كونها أسامي للأعمّ فيكون الموضوع له أو المستعمل فيه هو الأعمّ. وهل هذا إلّا تدافع بيّن وتناقض ظاهر؟!.
وقد ظهر ممّا ذكرنا الجواب عمّا ذكر في الوجه الثاني ، ووجه الفرق بين نفي
__________________
(١) وما وضعت بإزائه. (خ. ل).