إذ ليست الصحّة في المقام إلّا موافقة الأمر ، فإذا تعيّن عندنا مسمّى الصلاة وتعلّق الأمر بها قضى ذلك بصحّة جميع أفرادها وأنحاء وقوعها لحصول تلك الطبيعة بها ، إلّا ما خرج بالدليل وقامت الحجّة الشرعية على بطلانه ، فيثبت الصحّة إذن بملاحظة إطلاق الأمر وعدم قيام دليل على الفساد ، نظرا الى حصول المأمور به بذلك بملاحظة الإطلاق ولا يجري ذلك على القول بوضعها للصحيحة ، لإجمال المأمور به عنده ، فكون المطلوب في الواقع هو الصحيحة لا يقضي بإجمال العبادة حتّى لا يثبت بملاحظة إطلاق الأمر بها صحّتها في ظاهر الشريعة.
فإن قيل : إن العلم الإجمالي بكون مطلوب الشارع هو خصوص الصحيحة يوجب تقييد تلك الإطلاقات بذلك ، فيحصل الشكّ أيضا في حصول المكلّف به ؛ إذ هو من قبيل التقييد بالمجمل فلا يمكن تحصيل العلم بالامتثال بحسب الظاهر أيضا.
قلت : قبل ظهور ما يقضي بفساد بعض الأفراد من ضرورة أو إجماع أو رواية ونحوها فلا علم هناك بفساد شيء من الأقسام ليلتزم بالتقييد ، فلا بدّ من الحكم بصحّة الكلّ ، وبعد ثبوت الفساد في البعض يقتصر فيه على مقدار ما يقوم الدليل عليه ويحكم في الباقي بمقتضى الأصل المذكور ، فلا تقييد هناك بالمجمل من الجهة المذكورة ويتّضح ذلك بملاحظة الحال في المعاملات ، فإنّ حكمه تعالى بحلّ البيع وأمره بالوفاء بالعقود ليس بالنسبة الى الفاسدة قطعا ، ومع ذلك لا إجمال في ذلك من تلك الجهة لقضائه بصحّة كلّ البيوع ووجوب الوفاء بكلّ من العقود ، فلا يحكم بفساد شيء منها إلّا بعد قيام الدليل على إخراجه من الإطلاق والعموم المذكورين ، وحينئذ يقتصر على القدر الّذي ثبت فساده بالدليل.
نعم ، لو قام دليل إجمالي على فساد بعض الأفراد ودار بين أمرين أو امور لم يمكن معه الأخذ بمجرّد الإطلاق ، وهو كلام آخر خارج عن محلّ الكلام.
وربما يقال بجريان الأصل في أجزاء العبادات وشرائطها بناء على القول بوضعها للصحيحة أيضا ، لدعوى إطلاق ما دلّ على حجّية أصالة البراءة والحكم