شأن الماهيّة لا بشرط شيء ، وهو متحقّق في حال الانفراد عن الآخر والاجتماع معه فيكون حقيقة في كلّ منهما.
والجواب : أنّ الوحدة تتبادر من المفرد عند إطلاقه ، وذلك آية الحقيقة. وحينئذ ، فالمعنى الموضوع له فيه ليس هو الماهيّة لا بشرط شيء ، بل هي بشرط شيء. وأمّا فيما عداه فالمدّعى حقّ ، كما أسفلناه.
وحجّة من زعم أنّه ظاهر في الجميع عند التجرّد عن القرائن ، قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ). فانّ السجود من الناس وضع الجبهة على الأرض ، ومن غيرهم أمر مخالف لذلك قطعا. وقوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ). فانّ الصلاة من الله : المغفرة ، ومن الملائكة : الاستغفار. وهما مختلفان.
والجواب من وجوه :
أحدها : أنّ معنى السجود في الكلّ واحد ، وهو : غاية الخضوع. وكذا في الصلاة وهو الاعتناء باظهار الشرف ولو مجازا.
وثانيها : أن الآية الاولى بتقدير فعل ، كأنّه قيل : «ويسجد له كثير من الناس» ، والثانية بتقدير خبر ، كأنّه قيل : إنّ الله يصلّى. وإنّما جاز هذا التقدير ، لأنّ قوله : (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) ، وقوله : (وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) مقارن له ، وهو مثل المحذوف ، فكان دالا عليه ، مثل قوله :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأي مختلف |
أي نحن بما عندنا راضون. وعلى هذا ، فيكون قد كرّر اللفظ ، مرادا به في كلّ مرّة معنى ؛ لأنّ المقدّر في حكم المذكور. وذلك جائز بالاتّفاق.
وثالثها : أنّه وإن ثبت الاستعمال فلا يتعيّن كونه حقيقة ، بل نقول : هو مجاز ، لما قدّمناه من الدليل. وإن كان المجاز على خلاف الأصل. ولو سلّم كونه حقيقة ، فالقرينة على إرادة الجميع فيه ظاهرة ؛ فأين وجه الدلالة على ظهوره في ذلك مع فقد القرينة؟ كما هو المدّعى.